ألم نقل إنه زمن المعلومات؛ من دونها يصعب اتخاذ القرارات، ويصعب التخطيط؟ لم يعد الزمن يستوعب موضوع تحليل وتحريم السعي للوصول إلى المعلومة، فقد أصبحت المعلومة أساساً لا يستغنى عنه وسبباً في كل شيء ووسيلة لمنع ما يراد منعه.
هنا مثال من البعيد؛ كتائب القسام الفلسطينية قالت أخيراً إن «على إسرائيل تسليمنا أسماء العملاء بالضفة وغزة كي نكشف عن مصير من وقع في الأسر». أي أنها تريد المعلومة التي تعينها على معرفة من يخترق صفوفها من الفلسطينيين ويتسبب في قتل وأذى المقاومين وأهاليهم مقابل توفير معلومة لإسرائيل. ورغم عدم منطقية هذا الطلب أو الشرط إلا أنه يؤكد مدى أهمية المعلومة في هذا الزمن، ويؤكد مدى أهمية أن يكون هناك من يكون قادراً على توفيرها.
لم يكن بإمكان إسرائيل أن تعرف أن هذا هو بيت فلان أو علان وتعرف عدد ساكنيه وعدد غرفه وصولاً إلى ما يأكلون وكيف ومتى ينامون لتقصفه بدقة لولا أن لها «عيون وآذان» ترى وتسمع وترصد وترسل المعلومة. وفي المقابل لم يكن بإمكان المقاومة الفلسطينية اتخاذ كثير من قراراتها لولا توفر كمية من المعلومات المهمة التي مدتها بها عيون وآذان قامت بتوظيفها في إسرائيل، أو حصلت عليها من خلال مراقبة أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة واختراقها.
المعلومة هي البضاعة الأغلى في عالم اليوم، من دونها يشعر صاحب القرار بأنه تائه، حيث اتخاذ القرارات من دون البناء على معلومات دقيقة يشبه القفزة في الهواء. من هنا يتبين مدى ضحالة فكر من اعتبر موضوع مراقبة الناشطين فضيحة. لو كانوا يمتلكون الخبرة والتجربة لعرفوا أن الأمر لا يعدو مراقبة من ينبغي الحذر منه بغية إغلاق كوة يأتي منها الأذى، وهذا لا يتسنى إلا بالوصول إلى المعلومة.
لا معقولية طلب كتائب القسام الفلسطينية وصولها إلى أسماء العملاء الفلسطينيين يماثلها لا معقولية فهم «كتائب» فلان وعلان البحرينية لموضوع مراقبة الناشطين من قبل الأجهزة المعنية، ومحاولة الوصول إلى المعلومات التي تعينها على حماية الوطن، فالطلب هناك والفهم هنا كلاهما غريب وكلاهما غير مستوعب، لذا لن يكون مفاجئاً لو طلبت «الكتائب» المحلية تسليمها أسماء المواطنين الذين يعينون الأجهزة الأمنية في القرى ويمدونها بما يفيدها من معلومات، كما لن يكون مستغرباً تسيير مظاهرة للمطالبة بذلك!
النقطة الأخيرة هذه تجر إلى مسألة أخرى مهمة؛ فليس بالضرورة أن من يوفر المعلومة من أهالي المناطق التي تشهد أعمال التخريب والفوضى للأجهزة الأمنية يوفرها من أجل الحصول على المال أو للحصول على الشعور بالأمان، كما هو الحال غالباً في غزة والضفة الغربية، ذلك أن الكثير من المعلومات تصل إلى حيث ينبغي أن تصل تعبيراً عن رفض أهالي تلك المناطق لما يجري في مناطقهم، وتعبيراً عن رغبتهم للخلاص من «سيطرة» أولئك الذين اعتبروا أنفسهم في ثورة وأطلقوا لخيالهم ولأحلامهم العنان.
ما ينبغي أن تعلمه «كتائب المعارضة» هو أن القرى ملت من «فعايلها» وضجت، وأن أبناءها لم يعودوا يترددون عن توفير المعلومة للجهات الأمنية لعلهم يصبحون ذات يوم على خبر عن انكفاء تلك الكتائب التي خربت قراهم وحرمتهم من الاستقرار لعدة سنوات، وجعلت مستقبل أبنائهم غامضاً وتسببت في إيجاد شرخ عميق بينهم وبين شركائهم في الوطن.
هذه المعلومة مهمة للغاية للجمعيات السياسية وغيرها ممن تعتبر نفسها معارضة عليها أن تستفيد منها لتصحح مسارها، حيث عدم تردد أهالي القرى والمدن عن إرسال ما يتوفر لهم من معلومات إلى الجهات المعنية بالأمن يعني أنه بلغ السيل الزبى، وأنهم لم يعودوا يقبلون كل هذا التدمير لحياتهم ولمستقبل أبنائهم.