يمثل آية الله علي السيستاني، الإيراني المولد والمنشأ، رأس الطائفة الشيعية وزعيم حوزتها الدينية الكائنة في مدينة النجف العراقية. فقد بقي هذا المرجع الذي يتجاوز عمره الـ80 عاماً يشكل رمزاً دينياً لشيعة العالم عامة وشيعة العراق خاصة، وقد اشتهر بصمته وغيابه عن الواجهة الإعلامية، كما شكل حجراً هاماً في العملية السياسية التي رسمها الحاكم الأمريكي للعراق ما بعد الاحتلال عام 2003 بول بريمر، والذي استعان بالسيستاني للجم الكثير من العشائر والجماعات الشيعية العراقية التي عارضت الاحتلال، و قد تمت الاستعانة به أيضاً على تمرير الدستور العراقي الذي وضع على أسس طائفية وذلك مقابل تنصيص الدستور على جعل رأي المرجعية الشيعية كأحد مصادر التشريع.
وهناك خدمات جليلة أخرى قدمها السيستاني للأمريكان، كشف عنها وزير الدفاع الأمريكي السابق «رامسفيلد» في مذكراته، والتي أشار فيها إلى تلقي السيستاني 200 مليون دولار من واشنطن لقاء تعاونه معها في العراق.
ورغم كل ما أثير ضد السيستاني من قبل خصومه في الحوزة والمرجعية في النجف العراقية وقم الإيرانية، إلا أن الماكينة الإعلامية القوية وشبكة الوكلاء التابعين له والدعم الحكومي العراقي الذي وقف وراءه، جعله صامداً أمام الحملة التي شنها خصومه ضده، وبقي متصدراً زعامة الحوزة والمرجعية العليا، وبقي مكتبه الواقع في أحد أزقة النجف القديمة مزاراً للقادة السياسيين العراقيين وغير العراقيين، وكانت الماكينة الإعلامية العراقية والأمريكية تلمع صورته وتسعى لتقوية مرجعيته بسبب دعمه المتواصل للعملية السياسية التي وضعتها واشنطن للحكومة العراقية.
وفي إطار هذا الدعم فقد نشرت أنباء عن عزم الحوزة الدينية والحكومة العراقية ترشيح السيستاني لنيل جائزة نوبل للسلام وذلك بمباركة أمريكية، لكن يبدو أن ما جرى في العاشر من يونيو الجاري قد أوقع بسفينة السيستاني، فبعد أن حررت ثورة أهل السنة مناطق ومحافظات عديدة في شمال وغرب العراق من سلطة الحكومة الشيعية وأنزلت هزيمة نفسية ومعنوية كبيرة بالقوات الحكومية وأتباع المرجعية، أسرع السيستاني إلى إصدار فتوى يدعو فيها إلى مقاتلة أهل السنة لوقف الانهيار المعنوي والنفسي الذي أصاب أتباعه وحكومتهم أولاً، ولصد تقدم الثورة السنية ثانية.
وعلى الرغم من التجيـيش الإعلامي الرسمي وغير الرسمي الذي صاحب هذه الفتوى؛ إلا أن ما أظهرته المعطيات لحد الآن يدل على فشل فتوى السيستاني في تجيـيش شيعة العراق، ولا سيما عشائر الجنوب خاصة، بالدرجة التي كانت المرجعية وحكومة المالكي تتوقعها. فهناك الكثير من المحافظات في الوسط والجنوب، وتحديداً في محافظة المثنى وذي قار وواسط أبدى أغلب السكان حالة من اللامبالاة بفتوى السيستاني، وما يؤكد فشل فتوى السيستاني في تحريك الشارع الشيعي بالحجم الذي كان متوقعاً أن تحدثه، هو إعلان رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي يوم الخميس الماضي والذي وعد فيه بتقديم 644 دولاراً كراتب شهري لكل من يتطوع. وهذا يدل على المأزق الذي وقعت فيه الحكومة والمرجعية على حد سواء.
فالحكومة بحاجة إلى أكبر عدد ممكن من المتطوعين الشيعة لمواجهة ثورة أهل السنة، وهي عاجزة عن تحقيق ذلك بسبب الانهيار النفسي والمعنوي الذي أصاب القوات الحكومية والشارع الشيعي عامة، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن المرجعية تريد انخراط المزيد من المتطوعين لتأكيد قوة حضورها وتأثيرها في الوسط الشيعي وللحفاظ على ماء وجهها، لهذا لم يجد المالكي بداً من إعلان تخصيص راتباً شهرياً للمتطوعين على أمل أن يساهم هذا الإعلان بإغراء العاطلين عن العمل وغير المكترثين بالفتاوى الدينية للانخراط في صفوف المليشيات لمقاتلة أهل السنة.
وما يؤكد فشل فتوى السيستاني أيضاً دعوته إلى الإسراع في تشكيل حكومة مختلفة عن الحكومات السابقة بعد اعترافها بأخطاء السياسة للحكومات السابقة، فلماذا الآن يدعو السيستاني لمثل هذه الحكومة؟ ألم يكن الأجدر به أن يدعو إلى مثل هذه الحكومة قبل إصدار فتوى القتال التي أصدرها؟ أم أن هذه الدعوة جاءت لحفظ ماء الوجه بعد أن فشلت فتواه في تجييش الشيعة الذين أصيبوا بالانهيار النفسي؟
ثم؛ أليست هبات المالكي قد حولت المتطوعين الشيعة من مجاهدين خرجوا تلبية لفتوى المرجعية الدينية إلى مرتزقة مأجورين؟ أم أن الأمر سيان بالنسبة لهم طالما أن المرجع الأعلى قد سبقهم إلى ذلك يوم وافق على احتلال العراق؟
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}