الكلمات حروف مركبة تحمل معاني متنوعة منها ما هو طيب ومنها غير ذلك، لكن أحلى الكلمات هي تلك التي تحمل البشرى كما تحمل النذير، إنها تحمل الترهيب وتحمل الترغيب؛ إنها كلمات الله سبحانه وتعالى المنزلة على سيدنا محمد، والذي بدوره استوعبها حق الاستيعاب وعمل بها حق العمل، لذلك عندما سألت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله فقالت: «كان خلقه القرآن»، وأكد ذلك القرآن الكريم بقوله «لكم في رسول أسوة حسنة» وقوله «فاعف عنهم واستغفر لهم» وقوله «وإنك لعلى خلق عظيم»، وقال النبي الكريم «أدبني ربي فأحسن تأديبي».
هذه بعض عطور من كلمات الله ورسوله تحمل أجمل المعاني وأرقها وأكثرها عطراً ربانياً، وقد عشت في رمضان المبارك ساعات تحمل روحانية خاصة، كما قال الصوفية «ذق تعرف»، وقولهم «من ذاق شرب القوم يدريه»، وهو شراب رباني ينهل منه أولو العزم من البشر بعد الرسل.
«عطر الكلمات» هو عنوان كتاب من تأليف الأستاذ محمود أحمد شقير صدر قبل شهر رمضان بأيام قلائل، يقدم فيه المؤلف خلاصة تجاربه مع كتاب الله وأحاديث الرسول ومع شعائر الإسلام من عبارات، وفي مقدمتها فرائض الصلاة والصوم والزكاة والحج، ويبدأ الكتاب بفصلين مهمين أولهما بعنوان «في محبة الله» والثاني «في محبة سيد الأولين والآخرين»، وبعد ذلك يتناول المؤلف مفهوم الجهاد في الإسلام وينتقل إلى النكبة الفلسطينية وتشريد الفلسطينيين وأسر المسجد الأقصى، ثم يبحث في الفصل الخامس «الثقافة الإسلامية» من حيث قيم المروءة والرحمة والعمل والضمير والحرية، وفي الفصل السادس يتحدث عن المشاكل العائلية وهمومها وحقوق كل طرف تجاه الآخر، والفصل السابع بعنوان نحو مجتمع فاضل، حيث يعرض لمفاهيم الحلال والحرام وأدب القرآن والسعادة والظلم والشراكة المجتمعية في حفظ الأمن والنظام والمواطنة والحوار.
أما الكتاب الثاني للمؤلف فهو بعنوان «رمضان يجمعنا»، حيث يرحب المؤلف بقدوم شهر رمضان ويوضح كيف تعامل النبي (ص) مع الشهر الفضيل، خاصة مع العشر الأواخر من شهر رمضان، ويتناول آداب الصوم وزكاة الفطر.
ونسوق مجموعة من الملاحظات على الكتابين:
الأولى: حسن إجادة الكاتب في اختياره لعنوان «عطر الكلمات»، فهو لم يقل عطر الكلام، فالكلام كثيراً ما يكون هراء أو غير ملائم، أما الكلمات فتحمل في سياقها مفهوم الانتقاء والاختيار، والكتاب الثاني بعنوان «رمضان يجمعنا»، وهو بهذا يجعل رمضان شهر التعارف والتآلف والتخلي عن الخصام بين الناس عامة والمسلمين خاصة.
الثانية: إن كلاً من الكتابين تناول بتحليل عميق المفاهيم والأفكار التي تناولها مستنداً لكتاب الله وسنة رسوله، وفي نفس الوقت ربط بين موضوعات كل كتاب وبين قضية فلسطين التي ينتمي إليها الباحث، والتي هي قضية محورية للعالمين العربي والإسلامي، كما يربط بين المفاهيم وأهم قضيتين تشغلان بال كثير من المواطنين وهما؛ قضية الأمن الوطني والشراكة المجتمعية، وقضية المواطنة والحوار، وهاتان القضيتان متصلتان أيما اتصال بشهر رمضان وبعطر الكلمات التي تنزلت من لدن حكيم عليم، وحملها الأمين جبريل للحبيب محمد كي يعيش فيها وينقلها لخير أمة أخرجت للناس، وإن كان حالنا اليوم أبعد ما يكون عن ذلك.
الثالثة: إن الأستاذ محمود شقير، هو أستاذ اللغة العربية ومدقق في معانيها، وهو خبير في مضامين الكلمات ودلالاتها، ويبدو أنه رغب بهذين الكتابين أن يقدم هدية لأبناء العروبة والإسلام حتى يجتذبهم إلى الروحانية من كثرة الانشغال بالمصالح الدنيوية، ويعيدهم ولو لبعض الوقت لعطر الكلمات وأعذبها والتي هي رحمة للعالمين وفيه شفاء للناس وأي رحمة وأي شفاء ينتج عن كلام الله وكلام رسوله الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وهذا الوحي عندما ينتقل للإنسان العادي الذي ليس نبياً ولا رسولاً فيصبح إلهاماً، وكان الأستاذ شقير ملهماً حقاً فيما اختاره من معانٍ وكلمات، لذلك كان حقيقاً به أن يختار عنوان «عطر الكلمات».
الرابعة: إن الأستاذ شقير في هذين الكتابين يعلمنا الكثير من المفاهيم العملية عن الإسلام والوطن والقيم والمجتمع والحوار كأداة في التواصل بين الناس، وهو بهذا أقرب إلى وصايا لقمان الحكيم لابنه، وأنا أعرف أن الأستاذ شقير له أبناء وبنات وحفدة، وأتساءل؛ هل كتب ذلك وفي ذهنه تعليم أبنائه وحفدته؟ أم كتبها وفي ذهنه تعليم الخلق أجمعين؟ وأعتقد أن دافعه كان الأمرين معاً، لهذا ينطبق عليه قول الرسول الكريم «خيركم من تعلم العلم وعلمه»، فشكراً له على هذا الإهداء القيم وعلى المضمون في «عطر الكلمات» وفي «رمضان يجمعنا»، ودعواتي بأن يجزيه الله خير الجزاء، ويرشدنا للاستفادة من هذه الأفكار القيمة التي تنعش الذاكرة وتنشر القيم فضلاً عن العبادات والشعائر الإسلامية من منظور صحيح وليس منظور التطرف والتشدد الذي أساء للإسلام أيما إساءة.
أخيراً أقول للأستاذ شقير؛ نفعك الله بالعلم ونفع بك المسلمين وبارك الله في قلمكم، خاصة الإشارة لفلسطين الحبيبة، والتأكيد على مفهوم المواطنة والأمن وهما شاغل كل عربي في هذه الأيام، ودعواتي بأن يجعل الله مملكة البحرين -التي احتضنتك كما احتضنت كثيرين من أبناء العروبة والإسلام- آمنة مستقرة مزدهرة في ظل قياداتها الرشيدة.