في يوم بدر، أسر جيش المسلمين أبا عزة الشاعر الذي كان يشتم الرسول صلى الله عليه وسلم بشعره، فجاؤوا به إلى الرسول، فطلب من نبينا الكريم «العفو»، وعاهده بألا «يحرض عليه ولا يهجوه»، وأطلقه فلحق بقومه، ثم رجع إلى التحريض والهجاء، ثم أسر يوم أحد، فعاد ليطلب العفو من النبي، فقال رسولنا الكريم: «المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين»، وأمر به فقتل.
في هذه الحادثة التي نقلها النووي والحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه، دلالة واضحة لا تحتاج لأي إسهاب في التفسير. فرسولنا الكريم ليس هناك من هو أكثر تسامحاً منه، لكن في المقابل لا أشد صرامة منه في حدود الله وفي تقويم المعوج، وهو من أوصى أمته بالحذر من الكذابين والأفاقين والمتلونين، وأن المؤمن يقظ حذر لا يلدغ من ذات الجحر.
للأسف في أيامنا هذه هناك من يرى بأن التعرض للدغ من نفس الجحر لأكثر من مرة هو دلالة على «حنكة» و»حكمة» التصرف، وأن هذا ما تقتضيه السياسة. هذه قراءة واحدة، تقابلها قراءة أخرى تقول بأن هذا دليل تهاون في الحزم وحسم الأمور.
في حالتنا البحرينية طال العفو من بات ينظر للعفو على أنه دليل ضعف للدولة، ومنحت الفرص العديدة لمن لا يستحقها بل يستحق مقابلها الحكم عليه بالقانون، بالتالي باتوا ينظرون لهذه الفرص وكأنها «حق مكتسب» ستقدم لهم بشكل دوري حتى لو حملوا السلاح علانية في وجه الدولة.
هؤلاء من منحوا فرصة جديدة للحوار، وهم أصلاً ليسوا أهل حوار ولا ديمقراطية ولا اعتراف بالآخر، بل فئة تختزل مذهباً كريماً برمته وتأسر إرادة المنتمين له، فئة أمرها بيد مرشد إيراني، ثوابتها ولائية طائفية لا عدالة ديمقراطية ولا غيرها، هؤلاء منحوا فرصاً عديدة رغم استياء المخلصين من هكذا خطوات بدل تطبيق القانون بحزم، فماذا فعلوا؟!
قابلوا كل ذلك بالجحود والنكران، بل زادوا في غيهم، وبات تحدي الدولة يبرز اليوم بشكل أكبر وبطريقة سافرة مقصودة.
وصلت لمرحلة تهديد صريح بحرق البلد، وهنا نبحث عن القانون! نعم القانون الذي بات من يشتمه ويتطاول وعليه ويقول بأنه «تحت قدمه» يستخدمه ليستهدف المخلصين من كتاب ونشطاء وأفراد، لكن حينما يراد تطبيق القانون عليه يقيم الدنيا ولا يقعدها.
فقط لنذكركم بمواقف سجلت على أمين عام الوفاق «خادم الولي الفقيه»، والذي هو اليوم يلعب دور «محاورهم» الذي تعرض عليه «التشكيلات» بالستات أو الخمسات فيرفض ويتفلسف و»يقاصص»!
فقط قبل أيام قال بصراحة بشأن الإجراء القانوني «المتأخر أصلاً»على جمعية الوفاق من قبل وزارة العدل، بأنه -أي هو- سيحول البحرين إلى «عراق آخر»!
طبعاً هنا نحتاج لخبراء التفسير من أي طرف من أطراف السجال في البحرين ليفسر لنا قصد علي سلمان بتحويل البحرين لحالة تشبه العراق، رغم أن القصد واضح لنا، لكن الواقع يقول بأننا نحتاج لمن يفسر ويترجم ويبسط القول لمن يفترض عليه تطبيق القانون في هذا البلد، ولمن عليه أن يحافظ على هيبة وسيادة النظام، لربما استعصى عليهم السمع، نظراً لعدم وجود أي إجراء!
نذكركم بالمواقف «البريئة» للمحرض الدائم و»محاورهم» المتشرط الحالي، حينما وقف في الدوار قبل ثلاثة أعوام ليساوم الدولة على الانسحاب وبدء الحوار الأول. وحينما رفع يده مع منافسيه الألداء مشيمع والسنكيس وعبدالوهاب وأتباعه من جمعيات الذيل تحت شعار «باقون حتى يسقط النظام». وحينما سار وسط مجسمات شنق رموز البلد دون أن ينبس بحرف بل وزع ابتسامات المباركة. وحينما قال بصراحة إنه سيستنجد بإيران. وحينما كذب بشأن إخلاء الدوار وأن هناك قصفاً بالطائرات الحربية. وحينما قام بتكريم مقصود لمن أساء بالكلام البذيء الساقط لسمو رئيس الوزراء. وحينما تطاول على صحابة الرسول المقربين وخلفائه بالكلام المسيء المحقر من شأنهم دونما أن تتخذ الجهات المعنية الإجراء في ذلك. وحينما بارك دعوة القتل التي أطلقها سيده بـ»سحق» رجال الشرطة. إلى غير ذلك من تصريحات وجمل وتوصيفات وحتى تعدٍ على المكونات الأخرى في المجتمع وحتى من يختلف معه مذهبياً، كل هذه الأمور لو جمعت (وأشك بأنها ليست مجموعة) ولو حللت (وأشك بأنها لم تحلل وتشرح حتى) لما كان هذا المحرض موجوداً طليقاً اليوم ليتحدث بشكل سافر مهدداً الدولة وبأنه سيحول البحرين إلى «عراق آخر».
لن نعلق على ما قاله علي سلمان، ولن نلومه حتى، ولن ننتقده فيما يقول، فهو يطبق الأسلوب الشهير «اللي تغلب به ألعب به»، وطالما أن العقوبة غائبة فقلة الأدب حاضرة بالضرورة. لكننا سنقول لمن سمع ما قاله بأن هذا «محاورهم» الذي يقول بأنه يريد الحوار، ها هو يهدد ويقول بأنه سيحرق البلد، فماذا أنتم فاعلون؟!