للعيد معزوفة خاصة به، بأوتار لؤلؤية وتقاسيم شرقية تضفي فرحة للكبير والصغير. وكلنا يعلم بكثرة التحضيرات التي تسبقه ونشغل تفكيرنا بأدق التفاصيل، حريصون أن تكون كل الأمور في محلها الصحيح. كيف لا؛ فكلٌ يهون في سبيل هذا الضيف المقترن بضيف غالٍ نفيس شهر التوبة والغفران، شهر يحتسب جزاؤه فقط من رب الأكوان. فكل الذي تجد من حولك هو سعيد وبانتظار أن يهل علينا هلال العيد ليكسر صمت الصباح بلمة الأهل والأحباب والأصحاب.
بالنسبة لي هو يوم ليس كباقي الأيام ولا يفترض أن يمر مرور الكرام، ولست ممن يقولون هو فرحة للصغار عدا الكبار. ويضيفون بأنه أيام معدودة وتنتهي بنهاية الأيام الثلاثة. مع أنه من السهل أن يكون بداية لإشراقة لا تنضوي.
فبكل ما يعتريك من زحمة وانشغال وانهماك بكل التحضيرات ورسائل المعايدات تهف عليك من هنا وهناك؛ وإذ بك تستلم رسالة ممكن أن تهز كيانك من الأعماق لتعيد إلى ذاكرتك ملامح الطفل البائس على عتبة الطريق في شوارع غزة، أو الأم التي تبكي ابنها الشهيد وتزفه بدموع الحرقة الممزوجة بالعزة. وينكسر قلبك على الأب الذي يحمل وليده بين ذراعيه وهو يرتدي حلة من الدماء لا يعرف أين يسير، أو تلك العائلة التائهة في العراق تنتظر من يتحنن عليها بفتح معبر أو حدود كي تتستر من القذائف العشوائية هنا وهناك، ودوي الانفجارات وصوت الإسعافات تأخذك إلى واقع مرير كلنا يتمنى أن يكون مجرد كابوس وينجلي مع إشراقة الصباح. فمع كل هذه المشاهد القاسية تجد نفسك حائراً لا تعلم ماذا تفعل، أي فرحة ممكن بعدها أن ترتسم على وجنتيك، وهناك أناس قريبون منك ليسوا بعيدين ينالهم الحظ الوفير من الوعيد والتعذيب؟!
وتسـأل نفسك؛ أين الدين وأين العروبة وأين القومية وأين النخوة؟ لكن عندما نصل إلى مفردة «الإنسانية»، بمعناها الحقيقي وليس الوهمي، هنا نقف خجلاً من المبادرات الجليلة التي يقوم بها البعض، والتي هي السبب والمحرك والدافع وراء أي عمل عظيم ممكن أن يقوم به إنسان بغض النظر عن مستواه الاجتماعي أو المادي، العلمي أو الثقافي، تجاه شعوب عزل إلا من الكرامة.
هنا يأتي السؤال منادياً؛ أين ومتى العيد؟ وكيف به أن نكون من السعيدين؟ فيكون الجواب ودون شك، أن العيد الحقيقي عندما تتحد الأيادي البيضاء، لن أقول القيادات، ذات الهمة والعزيمة، وعندما تصفى النوايا جميعها لتمحو الظلم والمآسي والقهر عن أنفس عذبها سلاح الغدر، فالعيد بلاشك فرحة.. أجمل فرحة.. تجمع شمل حبيب بحبيب، ولكن ها نحن هنا كلنا مع الأهالي المنكوبين نردد ونقول ما قاله الشاعر:
هـــــذا هــــو العيــــدُ، أيـنَ الأهــــلُ والفـرحُ
ضاقـتْ بهِ النفسُ، أم أوْدَتْ به القرَحُ؟!
وأيـــنَ أحبابنــــا ضـاعـــــــتْ مـلامحـهـــــم
مـنْ في البلاد بقي منهم، ومن نزحوا؟!