قبل أيام ردت النيابة العامة على ادعاءات مغلوطة حفل بها مقال رئيس تحرير الوسط، الذي اتهمها بازدراء الطوائف لاستخدامها مصطلح «ملل» في أحد بياناتها بدل من مصطلح «طوائف»، فردت النيابة و زودته بالنص الأصلي للقانون البحريني الذي جاء فيه لفظ «ملل» فلم تكن النيابة لتبتدع اللفظ أو تتعمد استخدامه، وللعلم .. مضى على هذا النص عقود زمنية ولم يتحسس أحد منه كما تفعل جماعة الولي الفقيه الآن.
وقبلها بأيام خضعت جريدة البلاد لابتزاز الوفاق التي استدرجتها للاعتذار ثم أوقفت أحد كتابها، وكذلك صمتت جمعية الصحفيين لفترة من الزمن عن خطورة فتاوى إهدار الدم التي صدرت بحق أحد الصحافيين والتهديدات التي طالته، إنها تجارة ابتزاز ولعبة معاداة السامية الشهيرة (كوبي بيست) تنسج شبكتها العنكبوتية جماعة الولي الفقيه في البحرين وتستدرج لفخها مؤسسات البحرين الرسمية والأهلية فتأتي صاغرة تدفع «أتاوة» كف الأذى عنها.
وستظل النيابة وستظل بقية أجهزة الدولة كوزارة التربية والإعلام والصحة وبقية الصحف والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي في حالة استنفار من أجل درء الاتهامات والدفاع عن نفسها، وربما تعين كل وزارة فريق عمل خاص مهمته فقط الرد على اتهامات جماعة الولي الفقيه الدائمة لنظام وشعب البحرين بمعاداة الشيعة.
و هكذا نستطيع أن نقول جماعة الولي الفقيه نجحت باستدراج الشعب البحريني كله والدولة معه إلى فخ «معاداة الشيعة» أي إلى تجارة الابتزاز، و هي تجارة تقتضي أن يمتلك التاجر أدوات (الولولة) لوضع (الزبون) في حالة شعور بالذنب تدفعه لتقديم كل ما يمكن لإرضاء التاجر مقابل إسكات (ولولته) هكذا نجح اليهود في نيل العديد من المكتسبات من الدول الأوربية بعد أن نجحوا في ابتزاز الشعوب الغربية منذ 1948 حتى أيامنا هذه، فلا يجرؤ أحد الآن أن يتكلم أو ينتقد أي تصرف لليهود أو لطفلهم المدلل إسرائيل ماذا وإلا، فإن صراخ وعويل وسائل الإعلام التي تمتلكها من صحف وقنوات تلفزيونية وشركات إنتاج ومواقع إلكترونية وشخصيات عامة ووو ستتهمه بمعاداة السامية وهي تهمة خطيرة لوتعلمون، بل نجحوا في تشريعها قانونياً والخضوع لها.
نحن اليوم نستدرج لذات اللعبة التجارية دون انتباه و دون ملاحظة ودون وعي وبدلاً من تحويل صاحب «الادعاءات المجانية» إلى «متهم» ملزم بتقديم البينة للنيابة العامة لإثبات دعواه واتهاماته وإلا عوقب بتهمة السب والقذف أو بتهمة تقديم بلاغات كيدية كقاعدة ومبدأ قانوني يقضي بأن «البينة على من ادعى» أصبحنا نقلب الآية ونطالب المتهمين بإثبات براءتهم.
لابد لهذه اللعبة أن تنتهي، لابد أن ينتهي زمن الاتهامات المجانية التي تستخدمها تلك الجهات كالكوبونات المجانية دون اكتراث (إن صابت و إلا ما ضرها) أصبحت الاتهامات توزع بسهولة باعتبارها (خرخشه ما فيها خسارة).
الاتهام الكيدي جريمة سب و قذف لها ثمن لا بد أن يدفعه صاحبها، السب والقذف بتوجيه الاتهام جريمة في كل دول العالم خاصة إن كان ذلك الاتهام علنياً، ما لم يملك صاحب الاتهام البينة عليها، فإن عليه أن يحترم نفسه و يحترم الآخرين.
على الدولة والمجتمع البحريني أن يوقفا هذه اللعبة ويبطلا مفعولها قبل أن تصبح وباء نعاني منه مثلما يعاني الأمريكيون والأوروبيون من وحش «معاداة السامية» الذي يهاجم تلقائياً أي شخص يتجرأ وينتقدهم.
ثقافة الشكوى و رفع الدعاوى ثقافة جديدة لم نعتدها إنما لا بد من تفعيلها، نحن مجتمع (نترفع) عن تقديم شكوى أو بلاغ أو حتى توثيق مخالفة أو سوء معاملة، لهذا من السهولة استدراجنا لحالة الدفاع عن النفس وأي جهة أو جماعة أو فرد يعاني من عقدة الاضطهاد وتربى على ثقافة (الولولة) الشفهية التي تحولت إلى تحريرية من السهل أن يحولها إلى تجارة تدر عليه ربحاً وفيراً لأنه يجبر ضحاياه على دفع ثمن إسكاته، فدفعت الدولة ثمن عدم نجاتها من تهمة معاداة الشيعة بمنح الامتيازات والمناصب وبدلاً من إلزام تاجر الحقوق بإثبات الاتهام، اضطرت الدولة لتخصيص وزارة كاملة بموظفيها فقط للدفاع والرد على الاتهامات المجانية وسارعت الصحف بإيقاف كاتب وتقديم اعتذار وإصدار بيانات النفي والتصحيح وتخصيص موازنة لفرق تجوب الكرة الأرضية ترد تلك الاتهامات المجانية كل ذلك وأصحاب الاتهامات في نعيم، تجارة ما منها خسارة ولا تحتاج لرأس مال وزاد عدد تجارها.