لو استجابت الحكومة لرؤية جمعية الوفاق وأقرت مبدأ المحاصصة الذي تدعو إليه وتكرر الحديث عنه في كل مناسبة فسيحدث ما هو غريب على الكون بأكمله ولم يشهد له التاريخ مثيلاً!
الوفاق تريد أن يتم تشكيل الحكومة بالمحاصصة؛ أي أن عدد الوزراء الشيعة يساوي عدد الوزراء السنة، وهذا يعني أن عدد الوزراء ينبغي أن يكون زوجياً، فلا يقبل العدد الفردي كي تكون المحاصصة سليمة! والوفاق تريد أن يكون مجلس الشورى بالمناصفة بين الشيعة والسنة، أي محاصصة أيضاً، وكذلك مجلس النواب والمجالس البلدية والمحافظات، ومناصب الوكلاء والوكلاء المساعدين والمديرين ورؤساء الأقسام، وصولاً إلى الفراشين والمراسلين. فالأصول هي أن تقسم البلاد إلى نصفين، نصف للشيعة ونصف للسنة، وراعي النصيفة سالم!
لو كانت الأمور بيد الوفاق -وهي أسيرة هذا التفكير المحاصصي- فستحدث أمور غريبة تدخل بها موسوعة غينيس للأرقام القياسية، حيث إن منطق المحاصصة يفرض معايير محددة يتم تطبيقها على من تسند إليهم المناصب من الشيعة؛ فالوزراء الشيعة ينبغي أن يكون بينهم وزراء بحرينيون من «الشعب الأصلي»، ووزراء من أصول فارسية ووزراء من أصول أخرى، والأمر نفسه ينطبق على المناصب الأخرى، ولعلهم يقرون مبدأ تعطيل الوظيفة ريثما يتوفر شخص تنطبق عليه مواصفات من عليه الدور! ذلك ألا يجوز أن يزيد عدد الوزراء المنتمين إلى هذه الفئة أو تلك عن الحصة المخصصة لهم، ولا يجوز أن يزيد عدد الموظفين المنتمين إلى هذا المذهب في هذه الوزارة أو تلك عن عدد الموظفين المنتمين إلى المذهب الآخر.
الوفاق تريد أن يكون عدد الباحثين عن العمل من السنة مساوياً لعدد الباحثين عن العمل من الشيعة، وكذلك عدد المتقاعدين وصولاً إلى عدد المرضى ومن يصابون بأمراض خبيثة؛ أليس هذا هو العدل الذي تفرضه المحاصصة؟
لو تسير الأمور بهذا الشكل الضحل من التفكير فستضطر الوفاق إلى عمل جدول للتوظيف، بحيث يتم شغل الوظائف حسب قواعد وأسس غير واقعية، وستضطر إلى إبقاء بعض الوظائف شاغرة ريثما يتوفر لها من تنطبق عليه شروط المحاصصة وليس شروط الوظيفة.
ليس هذا ما تحتاجه البحرين، وليس هذا هو المخرج من المأزق الذي أوقعوا فيها البحرين. البحرين بحاجة أولاً إلى ولاء، وإلى من يحبها ويتمنى لها الخير ويسعى في هذا الطريق، وبحاجة إلى من يبعد عنها شبح الطائفية البغيض الذي تعتبر المطالبة بالمحاصصة أحد أبوابها، ليس بالمحاصصة يمكن للبحرين أن تعبر إلى المستقبل الجميل، وليس بالمحاصصة يحصل العدل، فلهذا النهج سلبيات كثيرة يسهل رؤيتها في بلدان أخرى اعتمدته مثل لبنان والعراق، حيث فرض أن يكون الرئيس مسيحياً هنا وكردياً هناك عطل البلدين زمناً خسرت خلاله ما خسرت، وحيث فرض أن يكون رئيس مجلس النواب هنا مسلماً شيعياً وهناك مسلماً سنياً حرم البلدين من كثير من الفرص التي استغلها من لا يريد لهما الخير، والأمر نفسه حصل بسبب فرض أن يكون رئيس الوزراء مسلماً سنياً هنا ومسلماً شيعياً هناك.
المحاصصة نهج مدمر وليس معمراً، نهج يفتح الباب لكل من يريد السوء بالبلاد كي يعبر عن حقده وكرهه لها. نظرياً المحاصصة توفر العدالة لكنها عملياً تكبل البلاد والعباد وتتسبب في تخلفهما.
ليست المحاصصة هي ما نحتاجه اليوم في البحرين، وإنما النية الصادقة والعقل المتفهم والقدرة على قراءة الساحة وتطورات الأحداث من حولنا والعمل معاً على حماية هذا الوطن والارتقاء به كي يكون فاعلاً ومؤثراً في محيطه.
رقي الأوطان لا يكون بمثل هذه المطالبات الواضح نسبة الخطأ فيها.