قد تكون البحرين من الدول القليلة التي تعاني في تركيبتها السكانية من طغيان عدد العمالة الأجنبية عن عدد السكان.
ولربما يرى البعض أن هذه الظاهرة تعني أن البلد تشكل مركز استقطاب للعمالة، وفيها من فرص العمل الكثير. وهذا يمكن إثباته بالأرقام، بيد أن نوعية الأعمال التي تتركز فيها العمالة من شأنها بيان أن الاستقطاب يتركز على الأيدي العاملة قليلة الأجور.
هذه الظاهرة خطيرة من عدة نواح، والتركيبة المجتمعية هي المتضررة في الأول والأخيرة حينما تضيع ملامح البلد بتنوع الأعراق فيه، وحينما تتأثر العادات والتقاليد، وحينما يزاحم الأجنبي ابن البلد في التحصل على الخدمات وفي أماكن التسوق وفي المرافق العامة، بل وتتضح المشكلة بشكل مخيف حينما يزاحمه الأجنبي حتى في مناطق سكنه، وهذا بان واضحاً من خلال مشكلة سكن العمال في مناطق سكن الناس.
إلا أننا نعرف بأن هذه اللغة قد لا تعني بعض من واضعي السياسة بشأن المهن والعمال، إذ لديهم النظرة تبتعد عن التأثيرات على الحياة الاجتماعية وتتركز على الجانب الاقتصادي وما يرتبط به من أعمال وتعمير منشآت وبناء مرافق، إذ أغلب العمالة تتركز في هذا الجانب.
لكن حتى في هذا الجانب فإن البحرين ليست مستفيدة الاستفادة المثلى من هذا العدد الكبير من الأجانب الذين يعملون فيها.
فبحسب الإحصائيات الأخيرة فإن التحويلات المالية التي قامت بتحويلها هذه العمالة خارج البلاد في عام 2013 بلغت 2.16 مليار دولار، وهو رقم يزيد عما سبقه خلال أعوام قريبة وفيها أيضاً تجاوزت المبالغ حاجز المليار.
الأرقام تبين بوضوح أن ما تجنيه هذه العمالة من وراء عملها داخل البحرين لا تصرف ولو جزءاً صغيراً منه على الداخل. بل يكشف أن غالبية المبالغ يتم تحويلها إلى الخارج. ويلاحظ ذلك ببساطة من خلال الزحام الشديد نهاية كل شهر على مكاتب الصرافة والتحويلات الخارجية، حتى في المنزل يمكن أن يحس المواطن بذلك، إذ كم خادمة تؤثر إرسال راتبها كله للخارج دون أن تفكر بصرف شيء منه في الداخل؟!
هذا الحال لا يخدم الاقتصاد، ولا يساهم في تدوير عجلته بشكل سليم، في مقابله الأعداد الكبيرة من العمالة تفرز تساؤلات هامة أبرزها مدى إمكانية إحلال البحرينيين في كثير من الوظائف التي يشغلها الأجانب؟!
ندرك تماماً أن بعض البحرينيين يرفض بتاتاً القيام بنفس عمل العمالة الأجنبية، رغم أن واقع الحال يقول بأن البحريني تراه يعمل في محطات تعبئة البنزين، وتراه يعمل في محلات السوبرماركت وغيرها.
الأرقام تقول بأن عدد العمالة الوافدة يصل إلى 620 ألف شخص مع عائلاتهم، وبين زميلنا الأستاذ علي صالح في عمود الاقتصادي بالأمس أن 420 ألفاً وهو عدد العمالة المسجلة في هيئة التأمينات و120 ألفاً عمالة سائبة غير مسجلة، أغلبها متوسط أجورها يقف عند سقف 200 دينار، وهذا ما يعني أنهم الشريحة المفضلة لدى كثير من التجار بالأخص شركات المقاولات وغيرها، ما يعني أن الوظائف في القطاع الخاص شحيحة جداً أمام البحرينيين.
لربما موقف كثير من البحرينيين سواء حاملي الشهادات أو ممن لم يتسنَ لهم إكمال تعليمهم الجامعي هو ما يخلق المبرر لاستقطاب هذا العدد لشغل الأشغال التي يعزف عنها المواطنون.
لكن رغم ذلك، لابد من وقفة والتفاتة جادة لهذا الوضع ووضع حلول له، ولسنا طبعاً من يملك الحلول، لكننا نراقب الحال ونتوجس منه، فرقم التحويلات مخيف، ورقم العمالة المتزايد يقلق، ولا نريد في النهاية أن يكون البحرينيون قلة في بلدهم، فعدد الأجانب هو الآن أكثر من الضعف، والمؤشر يتجه تصاعدياً.
لا عجلة الاقتصاد تدور باستفادتها منهم، ولا المواطن البحريني يستفيد، ومع مضي الزمن يتحول الأجانب لمواطنين بحكم القانون، وهذا يعني الضغط الكبير على الخدمات ومزاحمة ابن البلد في كل شيء.
لسنا عنصريين ولسنا ضد تحصل البشر على فرص عمل، لكن نقول بأن المواطن أولى وأحق بخير بلده.