من التعليقات المثيرة للضحك تلك التي يرددها بعض المحسوبين على «المعارضة» مثل «تم اعتقال فلان الذي كان يتظاهر.. بكل سلمية»، و»تعرض فلان لكذا وكذا رغم أنه كان يعتصم في المكان الفلاني.. بكل سلمية»، و»تم فض المسيرة الفلانية رغم أن المشاركين فيها كانوا يسيرون.. بكل سلمية»، لكن هؤلاء لا يذكرون إن كان التظاهر أو الاعتصام قد تم بشكل قانوني أم لا، أو أنه كان في غير الأماكن الممنوع التظاهر أو الاعتصام قريباً منها مثل المستشفيات والمطارات والمواقع العسكرية، ومثل العاصمة.
التظاهر أو الاعتصام في مكان ممنوع أو من دون الحصول على الترخيص اللازم يعني أنه تم غصباً عن الجميع؛ الحكومة والناس المستفيدين من المكان لوجود بيوتهم فيه أو متاجرهم وأرزاقهم، وأن كل هذا يعني أنه تجاوز للقانون ويعني أنه لم يكن «بكل سلمية»، وهذا في حد ذاته سلوك عنيف، فكيف يمكن أن فلاناً تظاهر أو اعتصم «بكل سلمية» وعمله هذا يتضرر منه الآخرون أو أنه يتجاوز القانون الذي ربما تظاهر أو اعتصم من أجل المطالبة به؟!
القول إن فلاناً تظاهر أو اعتصم «بكل سلمية» والتعبير عن الاستغراب بأنه تم احتجازه أو اعتقاله أو أحيل للتحقيق أو للنيابة العامة يشبه القول بأن فلاناً زعل لأننا شتمناه رغم أننا شتمناه «بكل سلمية»؟ أو رغم أننا شتمناه بنية طيبة وليس بقصد الإساءة إليه أو إلى أهله! فطالما أن الأعمال بالنيات وطالما أننا شتمناه وأهله وكانت نيتنا طيبة؛ فلماذا يزعل؟!
هذا للأسف هو مستوى تفكير البعض المحسوب على «المعارضة»، أما المؤسف أكثر فهو أن «المعارضة» نفسها تعتبر مثل هذا التفكير أمراً عادياً ومنطقاً.
لا يمكن لأحد أن يقبل قولك إنك اختطفت الشارع الفلاني وعطلت حياة الناس وأرهبتهم وعرضت حياتهم للخطر «بكل سلمية»، لأنك بهذا الكلام تضحك عليه وعلى كل ذي عقل، فأي سلمية هذه التي تروج لها وهي فعل كله عنف؟ وأي سلمية هذه التي تريد أن تقنع الناس بها وأنت تحيل حياتهم إلى جحيم وتحملهم ما ليسوا سببه؟
القول إن فلاناً أو علاناً مارس السلوك الفلاني أو العلاني الخاطئ «بكل سلمية» لا يمكن حتى لغير العاقل القبول به، لأنه يحمل في ضمنه استهزاء وسخرية من المتلقي ومن كل القيم والمنطق. مثل هذا القول مرفوض حتى من هؤلاء الذين يرددونه. هنا مثال عملي وواضح.
لو أن مجموعة عقدت العزم على تنفيذ اعتصام لسبب أو لآخر عند أحد الحسينيات في أيام عاشوراء، حيث تسير مواكب العزاء في المنامة، هل سيقبل من هؤلاء قولهم إنهم إنما يعتصمون «بكل سلمية»؟ وإن نيتهم طيبة وصافية؟ وإنهم إنما يعبرون عن مشاعرهم وموقفهم تجاه موضوع معين يختلفون فيه مع الحكومة؟ هل سيقبل منهم أو من غيرهم الخروج في مسيرة أو مظاهرة في نفس المكان الذي تسير فيه مواكب العزاء الحسينية طالما أنهم يقولون إنهم إنما يقومون بذلك «بكل سلمية» وبنية طيبة؟
ربما يرى البعض أن هذا المثال ليس واقعياً، لكنه منطقي، خصوصاً في هذا الزمن الذي لا يستغرب فيه قيام البعض بأكثر من مثل هذا الأمر لسبب أو لآخر كالتطرف والعناد، فهل يمكن قبول حجتهم هذه أم أن هذا الأمر مرفوض لأن المتضرر منه هنا هو هذا الطرف وليس ذاك أو الحكومة؟
لا توجد مظاهرة أو مسيرة أو اعتصام أو أي شكل من أشكال التعبير التي يبيحها القانون يمكن أن يوصف بأنه ينفذ بـ «كل سلمية» إن كان متجاوزاً للقانون وللمنطق، فالنية في مثل هذه الأمور لا يعتد بها.