لا توجد دولة عربية ترغب في التورط بأي مغامرة عسكرية خارج أراضيها بعد المشاركة الجماعية الأخيرة التي تمت في العام 1991 لتحرير الكويت، رغم الأحداث الدامية التي عصفت بالبلدان العربية ومنطقة الشرق الأوسط.
اليوم مرّت نحو 23 عاماً على آخر نشاط عسكري عربي جماعي، ولم يعقب ذلك أي نشاط جماعي، بل كان المجال متاحاً نحو تدخلات عسكرية أجنبية في البلدان العربية. فهناك عملية ثعلب الصحراء التي قامت بها الولايات المتحدة عام 1998 وتطورت لاحقاً ليكون غزو عسكري من أجل إسقاط النظام العراقي السابق في العام 2003، وكان آخر التدخلات العسكرية الأجنبية الضربات الجوية ضد النظام الليبي السابق الذي أسقط حكم العقيد من قبل قوات حلف شمال الأطلسي.
جميع هذه التطورات أكدت انعدام الرغبة العربية منذ سنوات طويلة للدخول في مواجهات عسكرية مع إيران أو إسرائيل رغم وجود مبررات هذه الرغبة. ومع ذلك فإن الحديث لا يتعلق فقط بهذين البلدين، وإنما هناك بلدان عربية صارت تمثل بؤراً من بؤر الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وأثبتت المعالجات السياسية أنه لا يمكن حسم هذه الفوضى والصراعات فيها دون تدخلات عسكرية مباشرة، واستمرار الصراع فيها لن يؤدي في النهاية إلى حالة الدولة الفاشلة، بل سيؤدي إلى انتقال الفوضى وعدم الاستقرار إلى الدول العربية المجاورة وفق نظرية الدومينو، والمتضرر ليس فقط الدول التي تمثل بؤر الصراع، وإنما الدول المجاورة أيضاً، ولنا أمثلة صريحة وواضحة بالنسبة للحالة الليبية أو الحالتين السورية والعراقية.
إطالة أمد الصراعات الداخلية العنيفة في دول الربيع العربي لن يؤدي إلا إلى تدخلات أجنبية مباشرة، وقد تتطور إلى تدخلات عسكرية بعد فترة لأن الغرب لن يقف متفرجاً إذا تم المساس بمصالحه الاستراتيجية في هذه الدول، أو انتشرت فيها الجماعات الإرهابية المتطرفة على غرار «داعش». خاصة وأن المصالح الغربية في الخليج العربي أو حتى في بقية الدول العربية لم يتم المساس بها حتى الآن منذ اندلاع ما يسمى بالربيع العربي في ديسمبر 2010.
لذلك يبقى خيار الرعب الآمن متمثلاً في الحاجة لتدخلات عسكرية من الدول العربية التي لم تتعرض لهزات داخلية وموجة الفوضى، ومازالت جيوشها قائمة. والتدخل العسكري المطلوب هنا؛ هو تدخل عسكري تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي أو مظلة الجامعة العربية في الدول العربية التي تشهد صراعات غير محسومة حتى الآن، كما يحدث في كل من ليبيا والعراق وسوريا.
الرعب الآمن خيار قاسٍ، ولكنه خيار أفضل للتقليل من تداعيات موجة التغيير السياسي المفتعلة في مجتمعاتنا قبل أن تنتهي هذه المجتمعات إلى حروب أهلية لن تعرف حينها بلداناً نفطية أو غير نفطية، أو جمهوريات وملكيات.