بعيداً عن روتين المماحكات السياسية الداخلية التي يبدو أنها لن تنتهي بين مماطلين وبين ساعين لكسب رضا من يفترض تطبيق القانون عليه. وبعيداً أيضاً عن الفوضى الإدارية في عديد من القطاعات والتي هي بانتظار زيادة الغلة بصدور تقرير الرقابة المالية والإدارية الجديد، نلفت انتباهكم اليوم -من باب التغيير- لاختراع جداً مفيد.
إذ الخبر المنشور يفيد بأن باحثين من جامعة لندن بالتعاون مع شركة نوكيا للهواتف توصلوا لاختراع جديد من خلاله يمكن لمستخدمي الهاتف النقال شحنه بواسطة الصراخ!
طبعاً يقدر قيمة الخبر أولئك الذين يعانون يومياً من سرعة انتهاء بطارية الهاتف لكثرة الاستخدام أو لكثرة تنزيل البرامج عليه، والذين تراهم يحملون إلى جوار الهاتف شاحناً متنقلاً ليكون «المنقذ» في حال نفاذ البطارية.
اصرخ واشحن بطارية هاتفك، هذه هي الصيحة الجديدة في عالم التكنولوجيا، حيث التكنولوجيا الجديدة ستولد طاقة بقوة خمسة فولتات تصلح لإعادة شحن الهاتف، والجميل أنه كلما زادت قوة الصوت فإن كمية الكهرباء المتولدة ستكون أكبر.
يعني فكروا فيها قليلاً هنا، من يقعون ضمن الوصف العامي الدارج الخاص بالمزعجين أي «البيعاريين» لن يعانوا على الإطلاق من مشكلة نفاذ البطارية، بل هؤلاء من فرط صراخهم وإزعاجهم ستكون هواتفهم مشحونة دائماً بل سيمتلكون ربما طاقة زائدة، وقد يساعدون غيرهم باعتبار أن الطاقة المتولدة لن تذهب مباشرة للهاتف، بل إلى جهاز منفصل بحجم الكف مثل الشاحن المتنقل، أي أنه يمكن لصديقك الاستفادة من صراخك لشحن هاتفه!
الفكرة بحد ذاتها ذكية، إذ الإبداع يكمن فيها من خلال الاستفادة حتى من العادات البشرية في توليد الطاقة، إذ من كان أصلاً يظن بأن الصراخ يمكن أن يكون مفيداً ويستخدم لأغراض مثل ذلك؟!
هذه الأفكار المتفردة بتنا لا نراها بشكل واضح في العالم العربي، قليل جداً هي الإبداعات العربية خاصة تلك التي تفكر في كيفية تحويل الأمور السلبية إلى إيجابية، وهذه أصلاً مسألة مرتبطة بما تأصل اليوم من تحول العالم العربي إلى مجتمع مستهلك بنسبة كبيرة جداً عن كونه مجتمعاً منتجاً، وهو ما يجعلنا السوق المفضل للتكنولوجيا وغيرها من الأمور الاستهلاكية.
الآن، ومن نشر هذا الخبر المعني بهذا الاختراع الغريب، فإن كثيراً لربما يفكرون في كيفية الاستفادة المثلى منه، وهنا نبرع طبعاً في الأفكار الخلاقة المعنية بالاستفادة من المنتجات من وجهة نظر المستهلك.
طبعاً نريد صراخاً صاخباً عالياً، بالتالي يمكن شحن البطاريات بالصراخ بوضعها مثلاً أمام التلفاز وتشغيله على قناة تعرض مباراة كرة قدم يعلق عليها معلق عربي! أو يمكن أخذ الجهاز للملعب ووضعه أمام مكبر الصوت لرئيس رابطة مشجعين، هذا إذا وفقتم في الحصول على مشجعين أصلاً، بالنظر لوضع رياضتنا. يمكن للطلبة أن يستفيدوا من «لعلعة» و»صراخ» بعض المدرسين الذين مازالوا يظنون أن التعليم بالصراخ ورفع عقيرة الصوت. أيضاً يمكن للأم أن تستفيد من صراخ الأطفال، أو أن ينفرد الشخص بنفسه ويبدأ بالصراخ على هاتفه. وبالتأكيد لن تنتهي الأفكار الإبداعية.
عموماً، لننظر للمسألة من ناحية إيجابية، إذ أقلها ستقل معاناة البحث عن موصلات الطاقة الكهربائية للهواتف، أو «التمشكل» حينما يموت الهاتف ونظل مقطوعين عن العالم حتى إشعار آخر، أعني حتى الحصول على فرصة شحن آخر.