لعدة أيام الآن، يتناقل الناس صور تعامل الشرطة الأمريكية مع المتظاهرين، ينشرونها ويعلقون عليها بأن انظروا لكيفية تعامل «راعية حقوق الإنسان الأولى» مع الناس حينما يتعلق الموضوع بالأمن والقانون.
اجتهد الناس في نشر الصور وبيان المفارقات في المواقف الأمريكية الخارجية وإجراءاتها الداخلية، بعضهم وجه كلاماً للإدارة الأمريكية بتهكم وطالبها بـ «ضبط النفس» و»احترام حقوق الإنسان» مثلما هي تفعل مع كثير من الدول، ومن ضمنها البحرين في تدخل سافر في الشؤون الداخلية وبما يتجاوز أعراف وقوانين الدول.
السؤال هنا؛ وهل هذا موقف أمريكي جديد يستوجب الاستغراب؟! وهل التعامل الأمريكي مع الأمن الداخلي أمر غريب عن الناس؟!
لو نسترجع الوقت للوراء وتحديداً في نفس عام ما أسمي بـ «الربيع العربي»، رفعت لافتة في مظاهرات الـ «وول ستريت» تقول «كان أولاً الربيع العربي والآن الخريف الأمريكي»! ورافعو اللافتة وما يطابقها في المعنى والوصف هم أمريكان ومواطنون من رعايا أوباما، وهم الذين تجمعوا للاحتجاج (بحسب ما تسميه أمريكا حينما تتحدث عن البحرين مسيرات سلمية قانونية) تجمعوا للاحتجاج على القوانين الاقتصادية وما تعرضوا له من ضرر يقع عليهم وعلى مستقبلهم التأميني والتقاعدي.
تلك الحادثة هي التي كشفت بجلاء حقيقة التعامل الأمريكي وليست حادثة الأمس القريب، ففي عرف البيت الأبيض كل مسيرة سلمية لو تجاوزت الأعراف ولو تعدت على ضوابط القانون فهي مسيرة غير قانونية تستوجب تدخلاً حازماً من رجال الأمن، بل تتم مساءلة قوات الأمن ومن يقودها لو فشلوا في إعادة الأمن للمجتمع.
وعليه، نعم استحضروا صور الحادثة الأخيرة وفيديوهات تعامل الشرطة، لكن لا تنسوا أن تضعوا قبلها فيديوهات وصور تفريق المتظاهرين من ساحة الـ «وول ستريت» ولا تنسوا فيديوات تكبيل النساء والفتيات الأمريكيات، بل وحمل أفراد الشرطة الرجال لهن واعتقالهن في حال مقاومتهن التوقيف.
هذه الأمورلا نوردها بغية «طزعين» الولايات المتحدة والقول لها «ما تفعلينه بداخلك لأجل أمنك القومي لا تكسريه في الخارج إن جاءت الأمور على الخارج»، بقدر ما نبين لمن يستقوي بالأجنبي على بلاده، أنه في العرف العالمي لا توجد دولة واحدة تتهاون مع الفوضى والإرهاب والتخريب وتحدي القانون مقارعة النظام بحيث تحول المجتمع إلى غابة وساحة فوضى. حتى في الغرب بعض القضايا العادلة التي يطالب بها الناس يقومون بـ «قمعها» إن جاءت على حساب حرية الأفراد الآخرين في المجتمع، أو إن تجاوزت حدودها لـ «تدوس على القانون».
وطبعاً بمناسبة «الدوس على القانون»، لا يجرأ أمريكي ولا بريطاني ولا غيرهما في الغرب من الوقوف في ساحة أمام الناس ويقول «القانون تحت قدمي»، لا يجرؤ، والله لا يجرؤ، ومن لدينا يعرفون ذلك تماماً، يعرفون أنهم هنا بالداخل يمكنهم التطاول على الناس والاستهانة بالقانون لكن لا يجرؤون على تجاوز إشارة سير مشاة حمراء في لندن أو الولايات المتحدة، ولا يجرؤون أن يصفوا أهل تلك البلاد باختلاف جذورهم وأصولهم وتلاوينهم بنفس النعوت والصفات التي يطلقونها هنا.
من حق الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها تطبيق قانونهما الذي يحفظ أمن بلادهما واستقرارهما ويردع أصحاب التحريض والفوضى والتخريب، كما للبحرين كامل الحق في ذلك.
يفترض بأن الرسالة وصلت منذ سنوات، لكن نعيدها فقط للتذكير، علّ وعسى!