قد لا يستحق التعليق «المأزوم» الذي صدر عن أحد أبطال «الكيبورد» في «تويتر» في حق الصحابي الجليل سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه الوقوف عنده من ناحية المضمون؛ فثمة شخصيات لا تملك رصيداً فكرياً أو نضالياً إلا ما تستطيع فبركته من كتب التاريخ، وثمة شخصيات كذلك لا تملك حضوراً اجتماعياً وثقافياً إلا متراً مربعاً تثير من خلاله اللغط حولها، ولكن ما يدور في صفحات التواصل الاجتماعية يعطي مؤشراً جاداً لاتجاهات تفكيرنا وعن مفهومنا للحرية وكيفية تعاملنا معها.
ما معنى حرية الرأي التي صار الجميع يطالب بها؟ وما المطلوب كي يعبر الجميع عما يجول في خواطرهم بحرية؟
المطلوب أولاً أن نتعلم بأن الحرية ليست الأداة التي نفتك بالآخر بها، الحرية هي اليد التي نمدها للآخر لنرتقي معه، والحرية أن نخلص أنفسنا من قيود الجاهلية والصبيانية، ثم نفكر بموضوعية وعقلانية، المطلوب أولا أن نعرف أن الحرية مؤطرة (بالالتزام) الأخلاقي والوطني، فهي ليست أداة فتنة ولا سلماً للشهرة.
وبين وقت وآخر يخرج علينا فرد «مأزوم» من هذا الطرف أو ذك ليمارس حريته المزعومة في تصريح ناري يسيء به للآخر ويتطاول على رموزه ومعتقداته، وحين ينجح في افتعال ضجة في فنجان يتمسح بعجز الآخر عن التعامل مع حرية الرأي ورفضه للقبول بالاختلاف. والمؤسف أن هؤلاء «المأزومين» يتحولون سريعاً إلى أبطال للفكر والنضال وسط جماعاتهم التي تلف حولهم وتخوض المواجهات خلفهم. وهنا ندخل في معضلة فكرية أخرى وهي الخلل في أجهزة الاستقبال الجماهيرية.
ما الهدف من الإساءة للصحابي الجليل خالد بن الوليد بطل حروب الردة وفاتح الشام والعراق وفارس؟ هل الهدف أن يثبت صاحب التغريدة «المأزومة» أنه من البطولة بمكان أن يستطيع التصريح بهذه المعلومة الكاذبة علناً في وجه 90% من المسلمين الذين يرون أن خالد بن الوليد رضي الله عنه كان رمزاً إسلامياً له مكانة خاصة في قلوبهم؟ شكراً لك؛ لقد فعلتها وقد وصلت رسالتك لهم بأنك تكره خالد بن الوليد رضي الله عنه.
هل الهدف من الإساءة لخالد بن الوليد إثارة فتنة مذهبية جديدة في البحرين؟ شكراً لك أيضاً؛ سننصبك رمزاً للفتنة والجهل في هذا البلد وفي هذا الزمن الذي تجاوز الأيدولوجيا والتاريخ والخرافة. وما هو المطلوب من الآخرين؟ أن يدخلوا في حملة مضادة للبطل «المأزوم» والمثقف الظلامي صاحب الإساءة لخالد بن الوليد؟ أن يرفعوا قضايا ضده ليتحلق أنصاره خلفه في المحاكم ويرفعوا شعار حرية الفكر ويستدعوا المنظمات الدولية لنصرتهم ضد الاضطهاد الفكري، كي يستمتع هذا البطل الورقي بالمهرجان الجماهيري الذي شيده بخرافاته؟
إن إهانة أي رمز ديني أو معتقد من قبل أحد الصبية «المسترجلين»، من أي طرف، يستدعي من جماعته أولاً التبرؤ من هذا السلوك ورفضه من حيث المبدأ، وأن يعي الجميع أن سلامة النسيج الاجتماعي وعدم استفزاز الآخر سلوك وطني وحس عالٍ بالمسؤولية، وما يحدث في شبكات التواصل الاجتماعي صورة من صور «لعب الأطفال» بمفهوم الحرية التي لم نتعلم بعد أبعادها وحدودها وأطرها. وهي كذلك تحول مفهوم الحرية، في البحرين، إلى مفهوم إشعال الفتن التي كلما خمدت نارها زاد كمد مشعليها وجزعهم.