الانتخابات النيابية وطبعاً البلدية ستكون حاضرة بعد عدة أسابيع، ستسبقها حالة محمومة من الحملات الانتخابية ورفع الشعارات والوعود المطلقة، وطبعاً الخيام والمجالس و»البوفيهات» المتعددة.
للمواطن طبعاً كل الحق في ممارسة حقه المكفول دستورياً بالمشاركة في الانتخابات، سواء ترشحاً أو تصويتاً، كما إنه له مطلق الحرية في التعبير عن رأيه أياً كان، أو الإدلاء بصوته كيفما يكون أيضاً.
بعض الناس -وهذا أمر طبيعي وملموس ويبرر- يكاد يقسم بأنه لن يصوت لأحد، ويعزو ذلك لخيبات متوالية -كما يصفها كثيرون- من قبل أشخاص تم التصويت لهم لمرات ووصلوا للمجلس ولم يحققوا للناس حتى ربع الوعود التي وعدوهم بها.
هنا يبرز الجدل مرة أخرى بشأن من يتحمل المسؤولية، هل من ترشح ووعد الناس وكاد أن يبيت عند عتبات منازلهم، أم من اختارهم ومنحهم صوته؟!
لكل نتيجة سبب، وبعض النواب غير المرضي عن أدائهم، أو حتى مواقفهم في حال كانت في أمور بشأن الوقوف مع الناس، هم نتيجة تصويت الناس أليس كذلك؟! بالتالي البعض في تشخصيه للموقف قد يلوم الناس وقد يقول لهم «جنت على نفسها براقش»!
لكن في مقام آخر، أيضاً من ترشحوا للكراسي النيابية وتفننوا في إطلاق الشعارات المختلفة، هؤلاء يساءلون عن ضمائرهم ومبادئهم، إذ كثير ممن قدموا وعوداً لم يكونوا على قدرها، وكثير ممن كانوا يتهافتون على الناس تغيروا عليهم وصدوا عنهم، بالتالي هؤلاء أيضاً ينطبق عليهم المثل «تمسكن حتى تمكن»!
الحالة اليوم تدفعنا للقول -وهذا رأي شخصي- بأن العزوف عن المشاركة في الانتخابات ليس خطأً بالنظر للمبررات والأسباب، لكنه في نفس الوقت تنازل عن حق أصيل من حقوق المواطن من خلال تقريره لمن يمثله، بالتالي هو «حق» ومخطئ من يترك حقه.
لكن، وهنا المعضلة بأن بعض الأصوات مازال أصحابها لا يعي خطورة النتيجة إن هو قرر توجيهها لمن يعطيه وعوداً رنانة تدغدغ المشاعر بينما تنفيذها محال، أو لمن يستخدم المال السياسي لكسب الأصوات عبر منح الأموال أو الهدايا العينية وغيرها.
هؤلاء هم من يحرفون نتيجة التصويت، وهم من يجعلون أسوأ السيئين ممن يترشحون يصلون لقبة البرلمان.
طبعاً لا يمكن أبداً الطلب من المتمصلحين من المترشحين للبرلمان أن «يستحوا على وجوههم» ويبتعدوا عن اللعب على مشاعر الناس وحاجاتهم لأجل الصعود على أصواتهم وأكتافهم ليتنعموا بمزايا البرلمان. نقول لا يمكن أبداً، لأن هناك من لا تهمه لا المبادئ ولا الوعود ولا حتى الناس ولا الوطن بأكمله، بالتالي لحمه ميت وإحساسه منقرض، و»يعل البلد تشب فيها محرقة» ولا شعرة لديه تهتز.
هذه النوعية من البشر هم من يفترض بالناس أن يحترسوا منهم وأن يصدوا عنهم وأن يمنعوا وصولهم للبرلمان.
قبل أربعة أعوام -أي في الانتخابات السابقة- لم يكن هناك استخدام قوي لوسائل التواصل الاجتماعي، لكن اليوم يوجد وبقوة، بل هذه الوسائل والوسائط باتت تملك تأثيراً وتساهم في نشر الحقائق. بالتالي يمكن استخدامها في كشف أي تجاوزات لضوابط الدعاية الانتخابية، ولفضح أي استغلال للمال السياسي وحاجة البشر. لكن هناك يجب أن توجد محاذير واعتبارات، بحيث لا يظلم أحد ولا يفترى على أحد، وأن البينة على من ادعى، وأن الدلائل والشواهد هي الفيصل في المسألة.
والله شخصياً أتمنى فضح وكشف كل من يحاول التحايل على الناس واستبعاده عن سباق الترشح، إذ عديمو الضمير والذمة لا يستحقون أن يمثلوا الناس. والأهم من يرى أن الوصول للبرلمان يكون عبر جيب المواطن وهمومه واحتياجاته وهي الطريقة المثلى، هؤلاء لا يجب أن يمنحهم المواطن فرصة للنبس بحرف واحد.
أنت يا مواطن من يحدد، ومن يمكنه إيقاف كل متحايل عليك عند حده، أنت من يقرر صوتك يذهب لمن، وأنت من يجب أن يعلو نقاشك ويكون قوياً ومفحماً في أي خيمة انتخابية وأن تكون تساؤلاتك ثابتة أمام أي وعود تطلق، بحيث لا يترك وعد يطلق هكذا على عواهنه من أي مترشح إلا ويعقبه سؤال مفاده: كيف ستحقق وعدك، وإن لم تحققه عليك التعهد بأن تستقيل أو تمنحنا حق عزلك أو مقاضاتك بتهمة الاحتيال على البشر.