من اليابان شرقاً إلى الولايات المتحدة غرباً، ومن جنوب أفريقيا وأستراليا جنوباً إلى فنلندا شمالاً لا نشاهد حالة من حالات الحسم في العلاقات البينية والإقليمية والدولية تماماً.
فمع انتهاء مصداقية الأمم المتحدة وهياكلها في معالجة الصراعات الدولية وإحلال الأمن والسلم الدوليين باتت الصراعات مسلسلاً طويلاً لا ينتهي باسم الديمقراطية تارة، وباسم الحريات العامة تارة أخرى، وأحياناً باسم حقوق الإنسان والمصالح الدولية.
حالة الحسم في العلاقات الدولية نقصد فيها عدم تذبذب العلاقات الدولية من صراع إلى تعاون إلى سلم، ثم تتكرر المعادلة، أو تصبح معكوسة بأي شكل من الأشكال. فما يجري في النظام الدولي الآن تذبذب رفيع المستوى ولا يتوقف. وسبب هذه الظاهرة انعدام الاستقرار على صعيد العالم، فما هو مصالح اليوم من الممكن أن يصبح غداً تحدياً، وكذلك الحال بالنسبة للصديق اليوم والعدو غداً.
دول مجلس التعاون الخليجي ليست ببعيدة تماماً عن حالة اللاحسم التي تواجهها، فهي تشهد انقساماً تاريخياً غير مسبوق بسبب السياسة القطرية وتضارب المصالح بين الدول الأعضاء في المنظومة الخليجية. ورغم الإدراك الجماعي بمخاطر هذا الانقسام وتداعياته إلا أن المسألة مازالت غير محسومة أيضاً.
ننتقل إلى شمال الخليج، حيث يدور الصراع الطائفي الذي بدأ انقساماً وسرعان ما صار إرهاصات حرب أهلية، ولا يبدو أن أطراف الصراع في العراق تتجه لحسم هذا الصراع، وكذلك الأطراف الإقليمية التي يهمها العراق مثل دول المنظومة الخليجية وإيران، وبالتالي من المتوقع أن تظل حالة اللاحسم في الصراع العراقي.
بعد العراق ننتقل قليلاً إلى حدوده الشمالية الغربية، حيث تدور حرب أهلية في الأراضي السورية اختلطت فيها الجماعات المتطرفة بأنشطتها الإرهابية فزادت من تعقيد الأزمة السورية تعقيداً. وبين جميع الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية المتصارعة لا يبدو في الأفق حل يحسم هذه الأزمة الدامية، ويستمر اللاحسم هناك.
شمالاً نجد الأزمة الأوكرانية المحتدمة هناك بين روسيا والغرب، وهي بلاشك أزمة نفوذ وأزمة استعادة نفوذ، لا يبدو أن هناك طرفاً يسعى لإنهاء الصراع وحسمه، وبالتالي تبقى مجدداً حالة اللاحسم مستمرة هناك.
هذه مجرد نماذج لصراعات وأزمات دولية، وهي كثيرة بلاشك، ولكنها تعطي نموذجاً لحالات اللاحسم في النظام الدولي اليوم، ودلالتها أن النظام نفسه يمر بمرحلة انتقالية جديدة ليس معروفاً نهايتها، وإن كانت هناك مؤشرات على انتهاء مرحلة الأحادية القطبية والانتقال لنظام متعدد الأقطاب.
هذه الحقائق ليست بجديدة، ولكن الحديث هنا عن موقف دول المنظومة الخليجية من التحولات الجديدة في النظام الدولي، وما إذا كانت هذه الدول ستستمر في التحالف الحصري مع القوة الأعظم في النظام نفسه، أو ستلجأ لمجموعة من القوى، أو ستحاول البحث عن فرص نفوذ لها في هذا النظام؟