«إكرام الميت دفنه»؛ على هذا يتفق الفقهاء والمسلمون عامة، وذلك بعد التحقق من وفاته فعلياً. من هنا فإن كل الأسباب المانعة لدفن شاب السنابس المتوفى منذ ثلاثة أسابيع ينبغي تنحيتها جانباً لإكرامه، فهذا حقه، وليس من اللائق تأخير دفنه كل هذا الوقت أياً كانت الأسباب.
وبعيداً عن تفاصيل الوفاة فإن مسألة «المتاجرة» بالجثة من قبل الجمعيات السياسية ينبغي أن تتوقف، على الأقل مراعاة لظروف عائلته الذين صاروا يموتون في اليوم الواحد عدة مرات، فلا تكاد تمر ساعة حتى يأتيها من ينكأ جرحها ويحرضها على مواصلة الإصرار على عدم تسلم الجثة، فما يعيشه ذوو المتوفى لا يشعر به أولئك الذين يذهبون لممارسة حياتهم الطبيعية ولقاء أبنائهم بعد أن يطووا البيرق الذي حملوه وهم واقفون أمام بيت الشاب المتوفى يمارسون فعل التحريض.
الشاب انتقل إلى رحمة الله تعالى، والأفضل من كل هذا الذي يحدث هو الدعاء له بالمغفرة والرحمة والقيام بواجب الدفن ونصب سرادق العزاء. هذه الخطوات الشرعية والمجتمعية التي تفرضها أيضاً العادات والتقاليد لن تحرم عائلته من المطالبة لاحقاً بشهادة وفاة كالتي تريد ولن تحرمها من رفع دعوى على وزارة الصحة في المحاكم أملاً في الحصول على ما تريد، فهذا حقها. هذه أمور كلها ممكنة ومشروعة وينظمها القانون لكنها تأتي بعد الانتهاء من واجب الدفن الذي لا بد منه.
ما يحدث حالياً هو أن جثة الشاب تسكن في ثلاجة الموتى بالمستشفى والجميع يتاجر فيها. كلمة «يتاجر» قاسية؛ لكن للأسف لا يوجد بديل عنها يعبر عن هذا الذي يقوم به ذلك البعض الذي يريد أن يستغل الحدث سياسياً ويؤلب العامة على الحكم ويسيء إليه، خصوصاً في الخارج. ما يحدث منذ ثلاثة أسابيع هو أن هذا البعض يدفع الناس إلى الخروج في مسيرات تحمل جنازة رمزية تنتهي بمواجهات مع رجال الأمن وبكمية من الصور تستفيد منها الفضائيات السوسة التي اعتبرت هذا الموضوع أيضاً فرصتها من دون مراعاة مشاعر ذوي المتوفى.
حالات مشابهة حدثت في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث رفض بعض الأهالي تسلم جثث أبنائهم لبعض الوقت بعدما وقعوا تحت ضغط وابتزاز الجمعيات السياسية التي أصرت على مواصلة الاستفادة من أبنائهم حتى بعد أن تسببت عليهم. لكن كل تلك الحالات انتهت سريعاً وأكرم الأهالي موتاهم.
كل تلك الحالات لم يصل فيها مستوى العناد والإصرار على الموقف إلى ما وصل إليه الحال هذه المرة، ما يعني أن عائلة المتوفى واقعة تحت تأثير وضغط كبيرين تمارسهما الجمعيات السياسية، خصوصاً الوفاق، وتمارسهما تيارات تعتبر نفسها صقوراً وتحمل شعارات لا تجلب للناس سوى الأذى.
ولكن، لماذا تقوم تلك الجمعيات والتيارات السياسية بهذا الذي تقوم به من دون أن تحسب أي حساب لمشاعر ذوي المتوفى؟
التفسير المنطقي هو أنها أفلست ولم يعد لديها ما يعينها على مواصلة تحريك الشارع، وهي تبحث عن سبب لتبرير ما تقوم به من أعمال فوضى وتخريب، والأكيد أنها اعتبرت وفاة هذا الشاب وعدم قبول عائلته تسلم جثته بعد وفاته مباشرة من دون ذكر سبب الوفاة الذي تعتقده فرصة قد لا تتكرر، فوظفت كل طاقاتها لتواصل عملية تحريض ذوي المتوفى على مواصلة الإصرار على عدم تسلم جثة ابنهم.
أما أهل المتوفى الذين هم في كل الأحوال لا يلامون، وبسبب وجودهم في نقطة متأثرة بكمية الشعارات التي يتم إطلاقها بكثافة فإنهم لم يعودوا قادرين على التفكير الذي يعينهم على رفض المتاجرة بجثة ابنهم كي يكرموه قبل أن تضطر الحكومة إلى القيام بالواجب بدلاً عنهم إكراماً للمتوفى.