يقول المثل «لكي تعيش بحياة كلها إثارة وتشويق فلابد لك من اتباع سياسة التطنيش»، وهو أن تغض نظرك وسمعك عن كل ما يمكن أن يشوش أو يعكر صفو أوقاتك، وألا تتفاعل مع كل المؤثرات السلبية التي تحيط بك، وأن تنظر للحياة نظرة الكوب النصف الممتلئ وليس الفارغ. وفي المقابل لابد أن نتنبه أنه «ما زاد عن حده قلب لضده». وهو ألا يصل معك مبدأ «التطنيش» إلى مرحلة التغافل والسهو عن الواجبات الحقيقية الملزوم بها اتجاه نفسك والآخرين، وإن لم يكن من ناحية الدين أقله من الواجب الإنساني أو الأخلاقي. باعتبار أننا لا نعيش منفردين فنحن جزء من الجماعة ولابد من مراعاة الضوابط التي تحمي علاقتنا بالقريب والبعيد.
لكن لا يصل بك الحال إلى سياسة عدم الاحترام وأن تقوم بأمور وتصرفات ممكن أن يكون لها الضرر السلبي على الناس المحيطين بك، وفي حال أردنا سرد الأمثال فمن الطبيعي أنها تحتاج إلى صفحات وصفحات من الصحف والمجلات، وهذا أمر طبيعي لا محال، باعتبار أننا بشر وكل بشر خطاء، وبعض الأمور يصلح بها الخوض في مجمل من المفاوضات، ولكن بعضاً منها يكون خارج قدرة التحمل ويصبح الجدل فيها من المحال، حتى وإن كانت في نظر البعض أمراً هزيلاً لا يستدعي الكثير من المحادثات، فعلى سبيل المثال لا الحصر لمواقف تعكس شخصية القائمين عليها هو أن تستغرق ساعات لكي تجد موقفاً في أحد المجمعات خاصة في أيام الإجازات، والسبب بسيط ويعود لأن أحد «المطنشين» لسياسة أن السياقة فن وأخلاق وأدب، قام بركن سيارته بشكل عشوائي بحسب الطريقة التي ترضيه هو فقط.
أو الأمر الأكثر استغراباً عندما تتفاجأ بسيارة تغلق المنفذ الذي تريد أن تخرج سيارتك منه، والسبب يعود ببساطة إلى أن أحد الناس الكرماء ركن سيارته بالمكان الخاطئ كلياً من دون أي وجه حق، رامياً عرض الحائط التصرف اللاإنساني واللاأخلاقي الذي قام به، حيث إنه لم يفكر لحظة بأن يترك رقم هاتفه على زجاج السيارة لكي يسهل الاتصال به وبهذا تسير الأمور بسلام.
وما عليك في المقابل إلا أن تنتظر الفرج من عند الله عز وجل وتحاول أن تبدأ بالبحث عن الحلول التي ممكن أن ترشدك لصاحب السيارة الذي عطل كل منافذ التفكير في عقله عندما قام بركن سيارته بهذا الشكل الاعتباطي، وتعمل جاهداً بعرض بدائل أخرى تخرجك من هذا المأزق الذي أنت به، منها أنك تبدأ بسؤال المارة إن كان لديهم صلة أو معرفة بصاحب الذوق الرفيع لمالك هذه السيارة الذي وللأسف تجاهل كلياً الأضرار الكثيرة التي ممكن أن يتعرض إليها صاحب السيارة المحجوزة، وبعد طول انتظار ممكن أن يمتد لساعات، تجد صاحب السيارة ويقابلك بجوابٍ باردٍ خالٍ من أي مشاعر تأنيب ضمير للأذى والضرر الذي استحدثه للطرف الآخر من جراء الفعل اللاتفكيري الذي قام به ويقول: «شو صار.. لماذا هذا التعصيب، الدنيا ما طارت!!».
للأسف بعض الناس يخلط ما بين سياسة التطنيش وسياسة الاستهتار لتصل لمرحلة قلة الأدب، فيعتبر أنه حقق الانتصار عندما يتعدى القوانين التي تضبط علاقته بالآخرين، ولم يعرف بذلك أنه قلل من شأنه أمام الجميع وسوف ينظر الناس إليه بنظرة احتقار.
فكل أمر في الحياة يسير بمقدار فاربط من جأشك وخذ خصال الكرماء واعف عمن ظلمك وسامحه إن بادرك بالاعتذار، ولنا فيما قاله الشاعر عبرة للأخيار:

إذا ما الذنب وافى باعتذار
فقابله بعفوٍ وابتسام
ولا تحقدن وإن ملئت غيظاً
فإن العفو من شيم الكرام