على مدار سنوات طويلة عملت إسرائيل وحلفاؤنا على تفريغ القضية الفلسطينية من عدة محتويات تشكل جوهرها الحقيقي من أجل تصفية القضية لصالح ترسيخ دولة إسرائيل وتعزيز تواجدها في المنطقة، دولة ذات منظومة فكرية متكاملة وذات رؤية واضحة. وقد ساهمت عملية التفريغ هذه من تشتيت الوعي العربي بالقضية الفلسطينية وأحياناً.. تشتت وعي بعض الفلسطينيين أنفسهم.
قد تكون أكبر عملية تشتيت واجهت القضية الفلسطينية في العقدين الأخيرين هي اتفاقية «أوسلو». حيث ضمنت اعترافاً سياسياً فلسطينياً بدولة إسرائيل عبر القبول بحل «مشكلات الفلسطينيين» بإقامة دولتين متجاورتين. وعلى الرغم من أن اتفاقية «أوسلو» قد خلقت انقساماً فلسطينياً حيث رفضت حركة حماس الاعتراف بها، إلا أن المفاجأة كانت انخراط حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، التي هي نتاج اتفاقية «أوسلو»، ومن ثم بدأ الصراع بين فتح وحماس في غزة مما عمق الانقسام الفلسطيني، بحيث غدا قطاع غزة في حالة استقلالية عن السلطة الفلسطينية «الفتحاوية»، وصار الصراع الحمساوي الفتحاوي جزءاً من القضية الفلسطينية.
ويعيدنا المنظور السابق إلى العدوان الإجرامي غير المبرر الذي خاضه الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين في غزة. فواقعة اختطاف ثلاثة من المستوطنين الصهاينة لم تثبت أنها عمل نضالي فلسطيني، فبعض التقارير تشير إلى أن أصل الواقعة جريمة جنائية داخل الكيان الصهيوني أو حادث سير تعرض له الشبان الثلاثة. ثم إن الواقعة لم تحدث في غزة أصلاً؛ كي يتكبد الغزاويون وحدهم كلفة الانتقام ش.
وترجح أغلب التحليلات أن هدف إسرائيل من العدوان على غزة كان ضرب التوافق الفلسطيني «الفتحاوي الحمساوي» الذي كانت مؤشرات التنسيق له ونجاحه تلوح في الأفق. وتحليلات أخرى تشير إلى خطة إسرائيلية تؤدي إلى اختزال القضية الفلسطينية في قطاع غزة تمهيداً لمضاعفة عمليات الاستيطان وتصفية مشكلة عودة اللاجئين، ثم اختزال مشكلات غزة في «معبر رفح» ومن ثم طرح مقترح لتوطين الفلسطينيين في ما سمي في بعض التسريبات بـ«غزة الكبرى» التي تتضمن جزءاً من سيناء المصرية.
وبمتابعة تطورات المبادرة المصرية التي طرحت لحل مشكلة العدوان الأخير على غزة، فإن المبادرة عملت أولاً على استبعاد أي أطراف إقليمية قد تكون لها أجندات خاصة أو انحيازات لأطراف فلسطينية بعينها، ثم إن القاهرة، نجحت في استقطاب وفد فلسطيني مشترك من جميع الفصائل بحيث لا يستأثر فصيل دون الآخر في الحديث باسم المقاومة الفلسطينية. وحسب تصريحات، رئيس الوفد الفلسطيني الموحد عزام الأحمد لقناة الميادين الفضائية؛ فإن القاهرة طلبت من الفلسطينيين أن تشمل أوراقهم للتفاوض مناقشة معضلات القضية الفلسطينية كاملة وليس الوقوف عند الأزمة الحالية في غزة فحسب. وهذا يدل على رؤية بعيدة المدى بأبعاد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لدى الوسيط المصري.
ما حدث في غزة من دمار هائل ومجازر تصل إلى درجة حرب الإبادة شغل الجميع، وجعل غزة تتصدر المشهد العربي من زاويا محدودة؛ قد تنسينا أن ثمة وطناً محتلاً بالكامل منذ عام 1948، وأن في فلسطين العديد من الفصائل المقاومة التي ليس لها برنامج نضالي مشترك، وأن عملية حصار غزة لا تختزل في معبر رفح المصري!!، بل تقوم أساساً على عزل غزة عن «الجغرافيا الفلسطينية» بإغلاق المعابر الستة التي تشرف عليها إسرائيل إغلاقاً كاملاً وإغلاق ميناء غزة ومنع السفن الغزاوية من الإبحار للاشتغال في صيد الأسماك.
شغل الفلسطينيين بمشكلات وطنهم بالتجزئة وانشغال العرب بتفكك أوطانهم طوائف وأقاليم استراتيجية صهيونية لتصفية القضية الفلسطينية. وبداية الحل توحيد الفصائل المقاومة في فلسطين ووضع برنامج موحد للعمل السياسي والمسلح.