تعاني البحرين والعديد من الدول العربية الأخرى في الآونة الأخيرة من الرسائل المتناقضة في الخطاب الذي تتلقاه من الدوائر الأمريكية المختلفة!
كانت الشكوى السابقة والمتكررة عند الدول العربية من «السياسة الأمريكية الخارجية» أنها سياسة مزدوجة ولها مكيالان تجاه الدول، كما هي سياستها تجاه إسرائيل والعالم العربي، إنما في نهاية المطاف الإدارات الأمريكية المتتالية «ديمقراطية» كانت أم «جمهورية» بكل دوائرها -العسكرية منها أو الخارجية جاءت من البيت الأبيض أو من الكونغرس- كلها دون استثناء تتحدث لغة واحدة، تمثل سياسة واحدة لدولة واحدة.
إنما في السنوات الأربع الأخيرة وفي سابقة لم تحدث طوال تاريخ «السياسة الخارجية الأمريكية» عانت البحرين تحديداً من تناقض وازدواجية في الخطاب بين دوائر صنع القرار الأمريكي ذاتها، فخطاب الجهات العسكرية الأمريكية يأتي متعاطفاً مع حفظ النظام في البحرين واستقرارها تارة، ثم يعود ويرتبك هذا الخطاب ويميل في صف الجماعات الراديكالية تارة أخرى، وهكذا يأتي خطاب الخارجية الأمريكية المتعاطف مع الإصلاحات في البحرين وحفظ النظام، لكنه يستند في تقريره على ما تزوده جماعة الولي الفقيه ومرشدها فتبدو كمن يدعم هذه الجماعات التي تعمل على تقويض الأمن في البحرين، حتى دخلت دائرة «السي آي أيه» مؤخراً على الخط في التقارير المتضاربة فزودت الشركات الأمريكية بتقرير خاص تعمد إعطاء أرقام مغلوطة تصور الوضع الاقتصادي البحريني على غير حقيقته بنسب عن البطالة غير صحيحة ولا تستند إلى أي مصدر «ولا حاجة للقول من هي الصحيفة البحرينية التي وصلها هذا التقرير ونشرته فرحة به!» في نهاية المطاف لا تجد موقفاً واضحاً ولا خطاباً واحداً ولا رسالة واحدة للولايات المتحدة الأمريكية تجاه البحرين.
هل نحن أمام تخبط إداري كل دائرة أمريكية لا تدري عن الأخرى وتعمل بمعزل عن الأخرى؟ هل أثر اختلاف الرؤى للسياسة الخارجية بين الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» انعكس على رسائل وخطب المسؤولين الأمريكيين بحيث أثر انتماء المسؤول الحزبي على منصبه السياسي؟
هل الخلاف بين الأجنحة في المؤسسة العسكرية الأمريكية أثر على الخطاب الخارجي فارسل رسائل متناقضة؟ من المعروف أن تشاك هيغل وأوباما أصدقاء على المستوى الشخصي رغم كونهما من حزبين مختلفين إلا أنهما يتفقان على تحجيم الدور العسكري للولايات المتحدة الأمريكية خارج حدودها وتحجيم النفقات الدفاعية وتلك سياسة تعارضها الكثير من القيادات العسكرية ويرون فيها تعريض المصالح الأمنية الأمريكية للخطر.
فهل هناك خلاف داخل المؤسسات الأمريكية انعكس في خطابات متناقضة للخارج؟ أم أننا نتعامل مع سياسة واحدة إنما وزعت الأدوار في ما بينها قصداً وعمداً، فأعطت لبعض الدوائر قناع الرجال الطيبين «الجوود قايز» وأعطت لدوائر أخرى قناع الأشرار «الباد قايز» بقصد خلق حالة إرباك مع الأنظمة العربية تدفعها للتخبط واتخاذ قرارات متناقضة؟
هذا التناقض لمسته أيضاً جماعتا الإخوان المسلمين والولي الفقيه اللتان عبرتا في أكثر من موقع وتصريح عن خيبتهما «لتخلي» حلفائهما الأمريكان عنهما بعد أن ورطتهما، ثم تراهما يلمسان عودة بارقة أمل تبدو من تصريح لمسؤول أمريكي في دائرة ما مناقض تماماً لتصريح مسؤول آخر.
من الواضح أن سياسة «اللاحسم» السائدة عند هذه الإدارة والتي تبدت في أكثر المواقف حرجاً هذا العام كالموقف من سوريا وأوكرانيا وغزة والعراق ومصر والبحرين، أثرت على دورها كقوى عظمى تمارس دور الشرطي في العالم، فلم تتسبب بإرباك دوائر القرار داخل الإدارة الأمريكية فحسب وتجعلها ذات خطابات متناقضة، بل أربكت معها الدول التي تتشابك مصالحها معها، فأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية حليفاً لا يعتمد عليه بتاتاً وفقدت «الفزاعة» الأمريكية الكثير من هيبتها، إنها الآن النسخة الكوميدية من أفلام الرعب!