أيام قليلة ستشهد صدور نسخة جديدة من تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، بما يرفع عدد التقارير إلى أحد عشر تقريراً على ما أظن، باعتبار أن «حسبة» التقارير ضاعت منذ زمن.
تقرير جديد سيصدر يرصد فيه تجاوزات وأخطاء إدارية للعام السابق، والمتوقع أن يكون حجم التقرير -كالعادة- أكبر من سابقيه، رغم أن المنطق يقول بأن نظراً لوجود ديوان الرقابة، ونظراً لوجود كشف للتجاوزات وبيان للأخطاء، وأنه نظراً لوجود سلطة تشريعية مهمتها المحاسبة، ونظراً لتأكيد السلطة التنفيذية بأنها متخذة لإجراءات صارمة بشأن الفساد والتجاوزات، رغم ذلك فإن الحجم بدلاً من أن يصغر نراه يزيد ويكبر.
هناك خلل، والجميع يعرف بأن هناك خللاً كبيراً في مسألة المحاسبة واتخاذ إجراءات صارمة وفورية تجاه الأخطاء والتجاوزات والمتسببين فيها، لكن رغم ذلك لا نرى الوتيرة تتسارع للقضاء على هذه الظاهرة.
نعم، كانت هناك فور صدور التقرير العام الماضي تحركات وتصريحات تشير للجدية في اتخاذ الإجراءات اللازمة. نعم، كانت هناك اجتماعات قليلة مع الصحافة لاطلاعها على مجريات الأمور وبعدها توقفت. ونعم، كانت هناك تصريحات بشأن تحويل بعض القضايا للنيابة، لكن، منذ آخر تصريح وحتى الآن ساد الهدوء ونسي كثير من الناس القصة، ولا نعرف هل بذلك أسدل الستار على التجاوزات في التقرير الأخير؟!
لا نريد أن نقول بأننا مازلنا نعمل بأسلوب «ردات الفعل» و«الفزعة» حينما تثار قضية ويتعاطى معها المجتمع بقوة، وتضغط فئات المجتمع كلها بشأن ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة، وكأن موجة الاستياء هذه تسبب فقط ضغطاً وحرجاً حينما تقارن شعارات محاربة الفساد بتطبيقاتها على الأرض.
تقرير جديد سيصدر، ومصير تقارير عديدة عرف بأنها ذهبت في «طي النسيان»، وأن كثيراً من الأموال المهدورة والإجراءات الإدارية الخاطئة ظلت بلا إجراءات ومحاسبة، إضافة لكثير من المسؤولين بدل محاسبتهم على الاستهتار بالأمانة العامة مضت الأيام ليخرجوا من كل مساءلة مطلوبة ويستمروا في مواقعهم وكأنهم لم يفعلوا شيئاً أبداً.
لدينا تقرير متعوب عليه، يجتهد فيه ديوان الرقابة المالية والإدارية، فيه من المضامين ما يجعلنا نصلح الأخطاء الموجودة شريطة وجود النية لاتخاذ إجراءات حاسمة بحق المخطئين. وتكون مشكلة بل كارثة إن كان هناك تغاض عن البعض منعاً للإحراج والفضيحة، إذ من أخطأ لم يفكر في مصلحة البلد، لم يفكر في شكل قطاعه حينما يتم تشريحه وبيان «بلاويه» في التقارير، فلماذا يتم التعامل مع من لم يكترث بشكل البلد وقطاعه بعين الرأفة.
هل نريد مجتمعاً قائماً على الممارسات الاحترافية وأسس الإدارة الصحيحة، أم نريد مجتمعاً غارقاً في الشعارات فقط؟!
على المعنيين أن يجيبوا عن هذا السؤال أولاً قبل أن يدشنوا أي مشروع وأي حملة وقبل إطلاق أي شعار، إذ خطأ كبير أن نستمر في القول بأننا دولة تحارب الفساد وتنشد الإصلاح بينما تقارير الرقابة المالية تقول العكس، بل وتثبت بأن الأخطاء والتجاوزات تزيد وتكبر وتتضخم.
كل تقرير رقابة مالية وإدارية وأنتم بخير!!