أصيب الجميع بالذهول بعد تغيير مسار ثورة المنتفضين والعشائر في المحافظات العراقية، خاصة ما جرى في الأيام الماضية، وعلى وجه التحديد في مدينة الموصل والمناطق المتنازع عليها، كما يحلو لسياسي العراق توصيفها.
فرغم الحمم والبراميل المتفجرة اليومية التي يرسلها المالكي عبر غربانه، حيث يتعمد إلقاءها على العزل والبنى التحتية، إضافة إلى جرمه بقطع كل وسائل الحياة الكريمة وتجميد انسيابية الحياة الاقتصادية تحمل الناس كل ذلك أملاً بانفراج سياسي قريب طال انتظاره.
لكن مالم يكن بالحسبان ما حدث في محافظة نينوى من تصرف هو أقرب للانتحار السياسي، حيث أقدمت المجاميع المسلحة من «داعش» بتفجير أهم رموز المسلمين هناك، جامع النبي يونس، والذي يعتبر أهم معلم ديني وأثري في المدينة، والعديد من المواقع الدينية والأثرية مما تركت أثراً سلبياً وانكساراً نفسياً لدى أهل المدينة، بل المسلمين والعراقيين جميعاً.
ثم مالبث أن تحول المشهد وبفصل جديد بنقل ساحة المعركة إلى أقصى شمال العراق والدخول في قتال هش مع القوات الكردية (البيشمركة)، وصفه بعض قيادات الكرد بغير المتكافئ، خصوصاً في أقضية سنجار وقرقوش ومخمور وتلكيف ومحيط سد الموصل، حيث لم تقاوم تلك القوات الهجوم المباغت، بل انسحبت وتركت مواقعها، مما أدى إلى نزوح آلاف العوائل الايزدية والمسيحية إلى سفوح جبل سنجار ومدينة أربيل خوفاً من قوات يدخل اسمها الذعر والارتباك في صفوف المدنيين، فضلاً عن المليشيات والعسكر، وامتدت التحركات العسكرية لتشمل جميع الأقضية والنواحي المحيطة بكردستان العراق.
هنالك أحس الحزبان الكرديان بخطورة الموقف فهرعوا بطلب النجدة من أمريكا وفرنسا وتركيا والدول الكبرى والمنظمات الدولية لإنقاذهم من مصير مجهول، بعد أن تأكد لهم الخطر الجدي المحدق بهم، ذلك الاقليم الذي ترعاه امريكا والدول الغربية منذ مدة تزيد عن ربع قرن، مما يهدده بالانهيار في أي لحظة.
تحركت القاصفات الأمريكية بعد ساعات من اختلال وتقهقر قوات البيشمركة لحصد المزيد من أرواح الأبرياء وتدمير البنى التحتية، ومجالها الجوي هو كل المحافظات المنتفضة إضافة لكردستان بحجة القضاء على «داعش»، مما سيدخل البلد في فوضى ومآسٍ جديدة.
أين هم من «داعش» وهي التي مضى على ولادتها من رحمهم أربعة أعوام، وتولت بعد ذلك جهات خبيثة إرضاعها وحضانتها لتنمو وتترعرع في عقر دورنا، وحسب تصريح وزيرة خارجيتهم السابقة هيلاري كلنتون، والكل بات يعلم يقيناً أن جميع خططها وحركاتها لا تتم إلا عبرتوجيه ومراقبة أقمارهم العسكرية، وهي التي عاثت في الشام فساداً بالتواطؤ مع دكتاتورها المجرم وما زالوا تحت مرأى ومسمع منهم، هل صحى الضمير الأمريكي والعالمي من سباته وقذف الرحمن فجأة الرحمة في قلوبهم؛ أم أن التحركات على الأرض خرجت عن السيطرة وذهبت لأبعد مما خططوا له كما تورط قبل ذلك عميلهم المزدوج المالكي؟ أم أن «داعش» قد أدت المطلوب منها بدقة وجاء دور اللعب بين الكبار ليعاد ترتيب الأوراق التي بعثرت بقصد رسم مخطط تقسيم النفوذ من جديد مع الرجوع والاستئناس بمعاهدة سايكس بيكو التي ما زالت تنبض بالحياة وإن جمدت لفترة خلت؟
على أرض الواقع؛ فإن ما يتم حصده من عشرات الأرواح البريئة بالقصف اليومي والجثث الملقاة على قارعة الطريق وقتل وتهجير مئات الآلاف من أهل ديالى والبصرة الأصلاء والحصار والترهيب والتهديد بالتصفية لسنة بغداد من قبل عصائب الباطل، وليس آخرها تهديد المالكي بفتح نار جهنم على العراقيين إن لم ينصاع الجميع ويسلمونه مقاليد حكم العراق لولاية ثالثة، ركوناً لنتائج انتخابات هو يعلم قبل غيره تزويرها وبطلانها.
كذلك الطريقة الشيطانية المبتكرة بتصفية عشرات المساجين عند نقلهم من سجن لاخر بدل محاكمتهم محاكمة عادلة، كل ذلك هو افظع بكثير واشد وحشية وجرما من تهجير آلاف من المسيحيين والايزيدين، مع اعتزازنا بهم وبشاعة التصرف ضدهم، اي مقياس اثلم معوج تتعامل به امريكا؟ تهرول خارج نطاق الامم المتحدة وحتى دون مشاورة حلفائها بحجة الدفاع عن اقليات بعد ساعات من اقتراب «داعش» من حدود اقليم كردستان لترسل طائراتها لتباشر بقصف مواقع تدعي انها اوكار لـ «داعش»، وتغض الطرف عن ملايين العراقيين والسوريين الذين هجروا ونحروا ودمرت مدنهم وبناهم التحتية وهم يرزحون منذ سنين تحت بطش حكامهم ومليشياتهم، فوالله ما هذا إلا حكم الغابة والجاهلية.. ألا ساء مايحكمون