لم يعتد البحرينيون حلولاً غير تقليدية لمشاكلهم، بل دائماً ما كانت الحلول تقليدية ومعروفة الآليات والمسارات وحتى النتائج سلفاً.
فحتى المشاكل الاجتماعية، أو الحوادث الكبيرة عندما تقع يكون مسارها معروفاً، تبدأ بردود أفعال واسعة من المسؤولين الحكوميين، وحتى مؤسسات المجتمع المدني وأعضاء السلطة التشريعية، ويكون هناك تفاعل واسع من المواطنين عبر شبكات التواصل الاجتماعي. بعدها تبدأ المرحلة الثانية بالمعالجات الرسمية التي تتمثل في تشكيل لجان التحقيق أو إقامة مؤتمر صحافي لبيان الملابسات للرأي العام. وتكون المرحلة الثالثة والنهائية التي يفترض فيها إعلان النتائج والتوصيات سلبية للغاية، لأنها إما أن تكون توصيات غير واقعية ولا يمكن تنفيذها أو يتم اللجوء إلى الأسلوب الأسهل وهو الصمت والتجاهل، وبالتالي يؤدي صمت لجنة التحقيق المكلفة بعد فترة إلى موت القضية أو المشكلة لدى الرأي العام نهائياً، وحتى من يحاول إثارتها فإن محاولاته ستكون دون جدوى.
هذا هو الأسلوب البحريني التقليدي في معالجة الكثير من القضايا والمشاكل، وهو أسلوب تجذر في الثقافة الإدارية البحرينية، وصار جزءاً من شخصية المواطن رغم كل المحاولات المبذولة لتغيير هذه الثقافة على الصعيد الرسمي أو حتى محاولات قادة الرأي عبر وسائل الإعلام.
منذ فترة، وقد تكون أقل من سنة، بدأت الحكومة مساراً جديداً في التعاطي مع القضايا والمشاكل المحلية، وهذا التحول ظهر عندما أثيرت الضجة السنوية التقليدية بشأن تقرير ديوان الرقابة المالية، فلجأت الحكومة إلى إجراءات صارمة لمواجهة توصيات التقرير، وتم التحقيق ومساءلة العديد من الجهات الحكومية، وأحيلت مجموعة من المتجاوزين إلى النيابة العامة تمهيداً لإحالتهم للقضاء.
الخطوة الثانية تمثلت في جلسة مجلس الوزراء التي رأسها سمو ولي العهد، الأحد الماضي، عندما أعلنت الحكومة عن نسبة الإنجاز في المشاريع الحكومية، وكانت المفاجأة إعلان حجم المشاريع الحكومية المتعثرة والتي وصل عددها إلى 25 مشروعاً مهماً. الاعتراف بهذا التأخير بشفافية ومسؤولية خطوة مهمة من الحكومة، ولكن الأهم الإعلان عن المشاريع المتأخرة والجهات التي لم تتمكن من إنجاز هذه المشاريع، ومن المهم أيضاً أن يبدي الوزراء المعنيين بالتأخير وجهات نظرهم لأسباب التأخير سواءً كان بسبب تمويل أو بيروقراطية إدارية وغيرها من الأسباب.
هذه الممارسة مهمة لأنها بداية الطريق لكي ينتقل البحرينيون من التفكير التقليدي إلى التفكير خارج إطار الصندوق، وبعد ذلك يمكن الحديث عن حلول بحرينية في شتى المجالات لمواجهة المشاكل والقضايا والتحديات التي تواجه المجتمع على أن تقترن بإرادة قوية للتنفيذ.