المقال الذي نشر هنا الأحد الماضي وعنوانه «فضيحة التجسس على الناشطين» وجد من يؤيد وجهة النظر التي تضمنته؛ وملخصها أننا كبلد نمر بظروف غير عادية تستوجب من الجهات المعنية ملاحقة «المعلومة» بكل طريقة كي لا نفاجأ بمن يبيعنا برخص التراب، وأن هذا يشمل مراقبة نشاط كل من نتوقع أنه يخطط للإساءة إلى الوطن، وأن هذه المراقبة مشروعة في مثل هذه الظروف بشكل خاص.
لكن وجهة النظر هذه وجدت أيضاً من يرفضها بقوله إن حق الجهات المعنية في الحصول على المعلومة الأمنية ينبغي ألا يؤدي إلى هتك الخصوصيات بمراقبة الهواتف المحمولة والكمبيوترات.
نحن إذاً بصدد مسألة من الطبيعي أن تجد من يؤيدها ومن يرفضها، فمن يمتلك المعلومة لا يريد لها أن تصل إلا إلى الجهة التي يقصدها فيبذل كل جهده لتبقى في الحفظ والصون، ومن لا يمتلكها يسعى إلى الوصول إليها بأي طريقة. كلا الطرفين يتحدث منطقاً ولديه من الحجج ما يعزز موقفه. هذا يعني أننا نعيش زمن المعلومة التي بناء عليها نتخذ مواقفنا وقراراتنا ونعمل.
الفارق بين الأجهزة المعنية بالوصول إلى المعلومة ووضعها بين يدي الحكومة وبين الجهات الأخرى مثل الأفراد والمنظمات هو أن الأولى متخصصة في هذا الشأن وهو عملها الذي تحاسب عليه لو قصرت فيه وتمتلك من الأدوات والأجهزة ما يعينها على أداء مهمتها، فهي معنية بتوفير المعلومة والوصول إليها بكل الطرق. أما الجهات الأخرى فغالباً لا تمتلك مثل هذه الأدوات والأجهزة وإن ظل موضوع حصولها على المعلومات يقلقها.
التقرير الذي اعتبره البعض فضيحة ووجد فيه فرصة لتوجيه الاتهامات للحكومة بالتجسس و«البصبصة» على المواطنين، هذا الخبر سواء كان صحيحاً أم مختلقاً فإنه في النهاية يصب في مجرى البحث عن المعلومة من الآخر الذي يقف في مساحة الخصم، وهو من حيث المنطق حق للحكومة خصوصاً في مثل هذه الظروف التي تمر بها بلادنا وتتطلب الانتباه لكل شيء كي لا يضيع كل شيء.
لنعكس الصورة الآن؛ فنتساءل هل لو أتيح لـ «المعارضة» مراقبة هواتف المسؤولين بالدولة وكمبيوتراتهم و«تجوريات» الوزارات سينبري منها من يفتي بحرمة هذا الأمر أم أنها ستأخذها وستسعى إلى المزيد؟ حسب المنطق فإن من الغباء والجنون أن تصد «المعارضة» عن مثل هذا الأمر وتعتبره حراماً ولا يجوز لأنها بما يتوفر لها من معلومات تستطيع أن تحقق بعضاً من أهدافها. والأكيد هو أنها تحاول بشتى الطرق التوصل إلى أي معلومة تفيدها وتضعف موقف الحكومة التي تقف في مساحة الخصم بالنسبة لها. هذا يعني أنها -أي المعارضة- لن تقول إن هذا يدخل في باب التجسس والجاسوسية والبصبصة، ولن تقول إنه حرام أو لا يجوز أو فيه إشكال أو ينبغي تركه على الأحوط.
ولكن، من الذي يقول إن «المعارضة» لا تقوم بأعمال التجسس على الحكومة؟ ومن الذي يستبعد توظيف «المعارضة» لعناصرها في الوزارات للحصول على المعلومة؟ ترى كيف تصل بعض المعلومات والقرارات التي تتخذ في اجتماعات يفترض أنها سرية إلى «المعارضة» حتى قبل أن يقوم المجتمعون من مقامهم؟
وصول «المعارضة» إلى بعض المعلومات يدخل في باب الشطارة ولا يدخل في باب التجسس، فهل يحل هذا لـ «المعارضة» ويحرم على الحكومة المسؤولة عن أمن الشعب؟
في مثل هذا الوضع الذي صارت فيه بلادنا صار من واجب الحكومة بذل كل الجهد للوصول إلى كل معلومة تحمي الوطن مما يراد له من سوء، ففي مثل هذا الوضع لا تمنع «المعارضة» وحتى المنظمات الدولية ذات العلاقة والسفارات نفسها من ممارسة فعل البصبصة.
(معلومة.. البصاصون لفظة كانت تطلق على المخبرين في العصر المملوكي).