فجأة ينتشر خبر عبر مختلف وسائل الاتصال والإعلام ملخصه أن فلاناً من القرية الفلانية قد تم اعتقاله. للوهلة الأولى تعتقد أن فلاناً هذا قيادي في جمعية سياسية له شأنه وتأثيره، فتتقافز أمام عينيك صور مختلفة لوضع مربك قد تشهده البلاد مباشرة بعد تأكيد الخبر، لكنك تفاجأ بأن فلاناً هذا شخص عادي لم تسمع باسمه من قبل، وتدرك -ولكن متأخراً- أنه ما كان ينبغي أن يكون مادة لخبر يمهد له بكلمة «عاجل» و»أخبار مؤكدة»، ثم تأكيده بعد قليل وفتح الباب للتعليق عليه من قبل المتلقين وإبداء التعاطف معه ونشر صورته. ما يثير كمية من الأسئلة عن دافع»المعارضة» إلى اعتماد هذا الأسلوب في نشر الأخبار حتى قليلة أو معدومة القيمة.
هل اعتقال أو احتجاز أو استدعاء شاب غير معروف على مستوى المجتمع من قبل الجهات الأمنية يعتبر خبراً؟ هل يصلح أن يكون كذلك؟ وإذا كان كذلك فهل مثل هذا الخبر يرقى إلى مستوى نشره بصفة عاجل ثم تحت عنوان أنباء مؤكدة ثم تأكيده مصحوبا بنشر صورته؟ ثم رفع الصوت عاليا عبر كل الوسائل للمطالبة بالإفراج عنه؟
الشهر الماضي مثلا حدث أن تأخر لسبب أو لآخر شاب في المطار، حيث كان مغادرا إلى إحدى دول التعاون، ثم عندما وصل إلى وجهته لم تسمح له السلطات في تلك الدولة بالدخول لأسباب تخصها فعاد أدراجه. حدث بسيط لا يرقى حتى إلى مستوى أن يصير خبراً، لأنه يمكن أن يحدث في كل مطار، وكل يوم ومع كل شخص ولأي سبب من الأسباب، لكن انظر ماذا جرى هنا؟.
الشاب (سأرمز له اعتباطاً بـ «ع. س») أخبر أصحابه بأنه لم يسمح له بعد بالولوج إلى صالة المغادرين في مطار البحرين، أصحابه نشروا تغريدات بهذا الخصوص وبدؤوا في التحليل وتوجيه الاتهامات يمنة ويسرة. بعد أن سمح له بالمغادرة وصار في صالة المغادرين، أبلغهم بما حدث، فنشروا الأخبار المبشرة بالسماح له بالمغادرة وكأنه خبر عظيم، وهكذا ظلوا ينشرون الأخبار عنه بكل طريقة إلى أن ربط حزام المقعد في الطائرة وقرأ الإرشادات الموجودة في «جيب المقعد أمامكم» وأقلعت الطائرة.
توقفت الأخبار عن «ع. س» مدة الرحلة ثم استؤنفت لحظة هبوط الطائرة ووصوله إلى صالة القادمين.
ما حدث بعد ذلك هو أن السلطات في ذلك المطار وجدت ما يصعب معه السماح له بدخول البلاد فاعتذرت منه وطلبت منه العودة، فعادت الأخبار عن «ع. س» تسيطر على وسائل الاتصال والإعلام، ولكن بحرارة أكبر واستمرت حتى عاد إلى البحرين، ثم تم توظيف الخبر الذي هو من الأساس لا يعتبر خبراً لانتقاد الحكومة والقول إن هناك قائمة تتضمن أسماء الممنوعين من السفر، وأن دول التعاون تتعاون مع السلطات في البحرين للتضييق على «المعارضة».
لا بأس لو تم نشر خبر أو خبرين عن احتجاز وتحويل قيادي بجمعية سياسية إلى النيابة العامة لسبب أو لآخر، فلمثل هذا الخبر أبعاد قد تكون مهمة أو يكون لها تأثير بشكل أو بآخر، لكن نشر كمية من الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الألكترونية وإيداعها في الهواتف المحمولة للمشتركين في خدمة «الواتساب» وإرسالها إلى الفضائيات الداعمة لـ «المعارضة»عن شاب تم احتجازه أو اعتقاله أو منعه من دخول مطار أو تأخر في دخوله إلى صالة المغادرين لا قيمة له بالمرة، بل على العكس يمكن أن يضر هذا النشر بـ «المعارضة» ويظهرها على هيئة المفلس ليس لديها ما تنشره من أخبار ذات قيمة فتعتبر كل شيء خبراً، حتى وإن كان ذو العلاقة شاباً مغموراً لا يعرفه أحد.