بعدما بقي دهراً طويلاً مثلاً يتندر به، تمكن المالكي بعبقريته من تحويله إلى قاعدة سياسية يتعامل بها مع شركائه وخصومه على حد سواء.
يحكى أن صديقين أحدهما غدار ماكر وآخر ضعيف ذليل خرجا ذات يوم للصيد، وتعاهدا على تقاسم ما يرزقانه، فاصطادا غزالاً وأرنباً، وعند العودة طلب الضعيف من صاحبه القسمة، فما كان من صاحبه إلا أن يريه الوجه الآخر ويقول له تفضل الصيد أمامك تريد أرنباً خذ أرنباً.. تريد غزالاً خذ أرنباً.
هذه القصة تجسد واقع العملية السياسية الجارية في العراق بعد الاحتلال وشخوصها، فأمريكا اصطادت العراق وسلمته لمجموعة لصوص فيهم الغدار الماكر والضعيف الذليل، ومنصب رئيس الوزراء هو الغزال في ذلك الصيد وباقي المناصب ليست أكثر من أرانب، هذا الغزال وقع بيد المالكي قبل ثماني سنوات، ونجح قبل أربع سنوات في الاحتفاظ به ومنع الكتلة الأكبر من تسلم المنصب، لكن اليوم حصل ما لم يتوقعه، فقد ظهر له من حزبه من أخذ منه الغزال وحصل على تأييد العالم.
كل ذلك ليس مهماً، المهم رد فعل المالكي وكيف سيتصرف في الأيام القادمة، طبعاً المالكي لم يقتنع بأن التحالف الشيعي اجتمع حول حيدر العبادي، وتم تكليفه رسمياً بتشكيل الحكومة، وحتى لو جاؤوا للمالكي بدريد بن الصمة الذي اشتهر بالإقناع ليقنعه فلن يقتنع، وقال لن أترك المنصب إلا بقرار من المحكمة الاتحادية واعتبرها ستقف إلى جانبه، (بعدما أحاط بنايتها بالدبابات). أما تمسك المالكي بالسلطة فليس لأنه مهووس بها وأنها الدجاجة التي باضت له الذهب فقط؛ بل لأن مصيره ومصير القادة الذين عملوا بإمرته مرتبط بها، فالجرائم التي ارتكبها من خلال قادته كبيرة جداً ولا يمكنه تحصين نفسه ومن معه إلا بالسلطة، خصوصاً أنه لم يتمكن من الحصول على حصانة تمنع ملاحقته بعد خروجه.
وفي المشهد المعطيات الآتية؛ المالكي يرفض التخلي عن السلطة ويعتبر اختيار رئيس غيره التفاف على الديمقراطية، سنوات طويلة حكم فيها العراق تبعه فيها الكثير من أفراد الجيش وخزن أسلحة كثيرة ولن يرضى بالخروج المذل، محلياً ودولياً المالكي انتهى، ولم يتبق له إلا اللعب بالملف الأمني والمحكمة الاتحادية والكثير من أموال العراق، لذلك سيحاول إثارة القلاقل تحت عنوان «داعش»، وقد قدم لهذا الموضوع عندما قال الأيام القادمة ستستغلها «داعش» للعبث بالأمن بزي الجيش وسياراته، وهذا ما يفعله دوماً قبل ارتكاب أي جريمة يخرج ليحذر منها ثم بعد وقوعها يقول قلت لكم وحذرت مما سيحصل، لكن أمريكا حذرته من إثارة المشاكل، وقالوا له «شت اب يور ماوس»، والولي الفقيه في إيران وافق على الرئيس الجديد، وموقفه لا يحسد عليه.
صفحة المالكي طويت، كما قال كيري، ولا يأمل أحد التغير على يد بديله فهو من المدرسة ذاتها وراسم سياسات حزب المالكي.