مشكلة جمعية الوفاق ومن صار تحت لوائها هي أنهم رفعوا السقف كثيراً كي يغروا العامة بالخروج ويحظوا بتأييدهم ومناصرتهم ويصيروا أدوات في يدهم يحركونهم كيفما شاؤوا، ثم تبين لهم أنهم دون القدرة على تحقيق ولو جزء بسيط مما أغروا به الناس وطالبوا به فصاروا في مأزق، يتراجعون ويبدون صغاراً أمام جمهورهم الذي وثق فيهم واعتقد أنهم سيحققون له ما وعدوه به، أم يواصلون طريقهم فيضيعون ويضيعون جمهورهم الذي هو أكسجينهم. هذه باختصار مشكلة «المعارضة» التي بدأت الخطوة الأولى ولم تحسب للخطوات التي تليها.
اليوم كل ما يمكن أن تحققه «المعارضة» من مكاسب لا يمكن أن ترضي به جمهورها، فالجمهور الذي وعدته بالفيل لا يمكن أن يقنع بآذانه أو ذيله أو خرطومه أو حتى بكل هذه الأجزاء مجتمعة، رغم أن الحصول على هذه الأجزاء تعتبر أيضاً مكاسب مهمة.
عندما تعد أصدقاءك بذبيحة ثم تعشيهم بيضاً وجبنة و«اشوية» زيتونات لن يحسبوا ذلك عشاء مهما تفننت في طبخ البيض وقدمته بطريقة راعيت فيها الاتيكيت. هم لن يرضوا بهذا العشاء حتى لو لم يحلموا طوال حياتهم بهذا المستوى، والسبب أنك وعدتهم بشيء أكبر وأهم وألذ فهيأوا أنفسهم له ولكنك فاجأتهم بما هو أقل، وإن كان طيباً ولذيذاً وربما جديداً بالنسبة لهم ومهماً.
منذ اليوم الأول رفعت «المعارضة» السقف ونادت بإسقاط النظام، وظلت تنادي بهذا وترفع الشعارات التي تصب في هذا الاتجاه فتكلف الناس خسائر كبيرة، البعض خسر فلذة كبده، والبعض رأى أبناءه محكومين ومسجونين ومتهمين ومطرودين من مدارسهم، والبعض وجد نفسه خارج الوظيفة التي كان يطعم من خلالها عياله بعدما ثبت تورطه في أمر أو آخر، وهؤلاء وأولئك وجدوا أنفسهم وقد صاروا في جهة تقابلها جهة أخرى تضم شركاءهم في الوطن ممن تعايشوا معهم ولم يشعروا أبداً بفارق في ما بينهم وكانوا يبادلونهم حباً بحب، فرأوا كيف انقسم مجتمعهم وتعمق الشرخ، بعد كل هذا الذي حصل تأتي الوفاق ومن معها ليقولون لهم إنهم مضطرون لخفض السقف والتقليل من المطالب؟ هل.. كيف يعني؟
هذا بالضبط ما تعاني منه الوفاق و«المعارضة» إجمالاً، حيث الجمهور الذي وعدوه بما وعدوه به لا يمكن أن يقنع بأقل من ذلك الذي وعدوه به، وبما أن هذا لم يتحقق بعد الأربعين شهراً التي قلبت كيان البلد وأدخلت الناس في حياة غريبة عليهم ولا يمكن أن يتحقق لذا فإنه لم يعد أمام «المعارضة» سوى ذلكما الخياران اللذان أحلاهما مر، خسارة الجمهور أو مواصلة تخسيره.
قبول الوفاق أو أي فصيل من «المعارضة» بأي مبادرة لا يتحقق معها ما وعدوا الجمهور به ينهيها ويرميها في مزبلة التاريخ، وقبولها بأي حل يحقق لها نصف أو ثلاثة أرباع أو حتى تسعين في المائة من مطالبها لا قيمة له بالنسبة لذلك الجمهور الذي أعطوه الشمس في يد والقمر في يد وقالوا له أعنا لنرتقي بك. فالجمهور -وهذا حقه- يريد ممن وعده وتسبب في فقده لأبنائه وتحويل حياته إلى فوضى أن يفي له بوعده ليعرف أنه تعامل مع رجال لا تنزل كلمتهم الأرض وإلا سقطوا من عينه.
تورط الوفاق ومن معها في هذا المأزق هو سبب عدم التمكن من الوصول إلى أي نهاية مفرحة للأزمة التي صرنا فيها، لذا فإنها لن تتردد عن إيجاد أي عذر لتخريب مسعى سمو ولي العهد ووضع العراقيل أمامه كي لا يفتضح أمرها حين تجد أنه لا مناص أمامها سوى القبول بخطوات صاحب السمو، حيث تخفيض سقف المطالب يعني قبولها بأن تبدو صغيرة في عيون جمهورها الذي وثق فيها فضاع.