فور اتخاذ الدولة بعض الخطوات العملية المعينة على التهدئة والمبشرة بحالة الاستقرار تمهيداً للدخول في مرحلة استئناف البناء، وإثر التحركات التي قادها ولي العهد صاحب السمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة والتي تصب في هذا الاتجاه، أصدر ما يسمى بـ»ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير» بياناً اتهم فيه الحكومة بمحاولة الالتفاف على أهداف ما أسماه بـ»ثورة الشعب البحريني» واعتبر التحرك الجديد مسرحية، ورفض كل خطوة تؤدي إلى الخروج من الأزمة التي من الواضح أن جهات معينة تريد لها أن تستمر لأسباب لم تعد خافية. كما دعا البيان إلى تخريب الانتخابات التي وصفها بالصورية ومواصلة التصعيد حتى «تحقيق الثورة أهدافها السامية والتي نص عليها ميثاق اللؤلؤ».
وبعيداً عن المصطلح الأخير «ميثاق اللؤلؤ» الذي لا أعرف من أين جاء فإن الواضح في البيان هو أنه رسالة تهديد واضحة لجمعية الوفاق ومن انضوى تحت لوائها من الجمعيات الأخرى ملخصها «إن موافقتكم على خطوات سمو ولي العهد يعني أنكم خونة وأنكم ستكونون منبوذين ولا تستحقون الاحترام وأننا سنشن الحرب عليكم».
أما الوفاق ومن صار تحت لوائها فيعرفون هذا الموقف من الائتلاف جيداً ويعرفون أنهم سيخسرون الشارع لو خالفوه، لذا فإن تصريحاتهم وبياناتهم في هذه الفترة ستكون غامضة، فهي من جانب لا تريد أن تخسر الفرصة المتاحة فتكون سبباً من جديد في تعقيد الوضع وتخرج من المولد بلا حمص، ومن جانب لا تستطيع أن تتراجع فتبدو وكأنها باعت من وقف معها وناصرها وضحى من أجل المباديء التي رفع رايتها.
موقف لا تحسد عليه هذه الجمعيات التي تبدو وكأنها وضعت رقبتها على حد السيف، فهي ستجرح وتنزف بغزارة أياً كان موقفها، وهو ما يؤكد ما قيل هنا سابقاً ولمرات إنها لم تحسب حساب الخطوات التالية وأنها نفذت قفزة في الهواء وأنها تعاني من مشكلة قلة الخبرة في العمل السياسي، فمن يمتلك الخبرة السياسية لا يمكن أن يجد نفسه فجأة في موقف كهذا ترجمته بلغة الشطرنج.. كش «معارضة»، بل ربما كش مات.
ما يجري هذه الأيام – كما يتصوره الكثيرون – هو أن الوفاق تنتظر نصيحة الأمريكان وتوجيهات ملالي إيران كي تبلور موقفها الذي إن جاء مخالفاً لموقف ائتلاف فبراير المشار إليه سقطت وانتهت، وإن وافقه أكدت أنها دون القدرة على العمل السياسي فتسقط من عيون الحكومة والناس.
المعلومات تؤكد أن بعضاً من عناصر الوفاق زار ويزور واشنطن في انتظار النصيحة والدعم، والمعلومات تؤكد أن الخط بينها وبين المعنيين في إيران وبلدان أخرى مفتوح لمعرفة القرار الذي عليها الالتزام بتنفيذه، والمعلومات تؤكد أيضا أن الوفاق ومن صار تحت لوائها يعيشون وضعاً صعباً لن يتمكنوا من الخروج منه إلا بمعجزة.
الوقت يضيق على الوفاق ومن معها، والحبل حول رقبتها يضيق، ولا بد لها من أن تتخذ قراراً. حسب قراءتي واستناداً إلى مواقف سابقة وفرص أضاعتها أرى أن الغالب هو أن تفرط في هذه الفرصة أيضاً، ليس لأنها غير مقتنعة بها، ففيها كثير مما كانت تطالب به ويمكن أن يبنى عليه من المفيد الكثير ولكن لأنها أوقعت نفسها في المأزق الذي تحدثنا عنه هنا يوم أمس، فإن وافقت «واويلاه»، وإن رفضت «واويلاه».
لكن، هل بالفعل يمكن لائتلاف فبراير أن يهين الوفاق ومن معها ويخسرهم الشارع لو وافقوا على ما ينبغي أن يوافقوا عليه لو كانوا يسعون إلى مصلحة الوطن؟ هل الائتلاف بهذه القوة التي يمكنه إفشال مشروع وطني مهم كهذا؟ وهل يقبل من الوفاق أن تكون سلبية إلى هذا الحد