دعوني في بداية مقالي أطرح بعض الأسئلة، هل العمل بحاجة إلى الكفاءة أم إلى المحسوبية؟ وأي كفة يرجحها القطاع العام - من وزارات ومؤسسات وهيئات - الكفاءة أم المحسوبية؟ ولماذا يبحث القطاع الخاص دوماً على الكفاءة ويغض البصر عن المحسوبية؟ وهل المحسوبية هي إحدى أزمات البطالة؟
مثلما ليس كل شخص لديه «واسطة» للحصول على فرصة للعمل، أو تسانده في الوظيفة التي يحلم بها أو يقفز بسهولة في السلم الوظيفي، أيضاً ليس كل موظف يعمل بكفء أو لديه القدرة للقيام بعمل معين بكفاءة، فالكفاءة ليست بالمهارة المكتسبة وإنما هي أشبه بالطاقة الإيجابية الداخلية التي تحفز الفرد على العطاء وإنجاز العمل بجودة وأداء متميز، وبالطبع يُصقل ذلك كله بالمؤهلات العلمية والمعرفية والخبرة والتجربة.
لوظائف القطاع العام والقطاع الخاص معايير خاصة لكليهما، فمعظم الوظائف في القطاع العام تعتمد على الواسطة في التوظيف، في المقابل يحرص القطاع الخاص على أن يضع الموظف المناسب في المكان المناسب، وقليلاً ما تتخذ بعض الشركات المحسوبية في التوظيف مثل بعض الشركات التي تغلب عليها طائفة عن طائفة أخرى، فالكفاءة والمحسوبية وجهان مختلفان تماماً في إدارة العمل، أحدهما وجه إيجابي والآخر وجه سلبي بل قد يكون «جوكم» للمؤسسة أو الشركة أو في الدوائر الحكومية.
من صور الواسطة في العمل «القفزة اللولبية» صاحب «السبرنج اللي نقز» من موظف عادي إلى مدير في أحد الأقسام، ويعد ذلك من أسوأ صور الواسطة لما في ذلك من تعدٍ على حقوق الموظفين الآخرين في الترقيات ويؤدي إلى أمور سلبية أخرى ليست في صالح المؤسسة أو الوزارة. ومن صور الواسطة أيضاً، عندما يشعر الموظف أن «ظهره قوي»، فيتكرر التأخير أو الغياب أو الانصراف المبكر من العمل، وكذلك أيضاً حصول بعض الموظفين أصحاب الواسطات على كثير من الدرجات والمكافآت والدورات داخل وخارج البحرين، والطامة ما إذا رشح الموظف غير الكفء لمناصب أعلى على مستوى المملكة، كل ذلك تعد صوراً سلبية تترك بالطبع آثاراً سيئة على الموظفين الذين يعملون بكل صدق، وكذلك على جودة العمل وسرعة الإنجاز، وأيضاً على جدية العمل، والارتقاء بالمؤسسة، ويكون الاعتماد حينها على فئة قليلة لإنجاز الأعمال، فجودة العمل والإنتاج هي حصيلة لجودة وكفاءة الموظف أو العنصر البشري.
إذا كان التلاعب بأموال العامة فساداً واضحاً فإن الواسطة أو المحسوبية نوع من أنواع الفساد، لوجود الشخص غير المناسب في منصب أعلى من مؤهلاته وخبراته العلمية والعملية، ويعد غشاً للأمانة التي أؤتمن عليها أصحاب القرار والمسؤولين، فهي بالفعل جريمة في حق المجتمع والفرد تكون فيها المصلحة الشخصية فوق المصلحة العامة، فالشخص الذي يبحث عن وظيفة ينتظر سنوات طويلة حتى يحصل على فرصة عمل، وغالباً ما يحصل بعد طول انتظار على وظيفة لا تناسب مؤهلاته، بل في كثير من الأحيان تكون الوظيفة أقل من مستواه العلمي، بينما في الطرف الآخر وبفضل المحسوبية تُحجز للبعض مقاعد ووظائف مرموقة.
ترك الواسطة والمحسوبية في العمل نوع من أنواع حب الوطن، والبحث على الكفاءة هي المحصلة الجميلة للمواطنة الصالحة، فالمواطنون جميعاً سواسية وعليه تكون اختيار الموظف وخصوصاً للوظائف القيادية على حسب معايير خاصة للوظائف المختلفة، حتى تنتشر بذلك روح المنافسة الشريفة لخدمة الوطن، ومع ذلك كله نجد أن المحسوبية تتفوق دوماً على الكفاءة ليس في البحرين فقط بل في الوطن العربي أجمع.