كلما رأيت ما يحدث في العواصم العربية أحمد الله ألف مرة على نجاة البحرين وخروجها من بطن الحوت سالمة، انظروا لليمن انظروا للعراق انظروا لسوريا انظروا لليبيا كيف تهاوت الواحدة تلو الأخرى وقد كانت البحرين ضمن هذا الطابور على تلك القائمة، رسموا لنا نفس «الرسمة» ونووا لنا نفس النية، ولو نجح مخططهم لما كان الواحد منا اليوم يصحو في فراشه صباحاً وسقف بيته يغطيه ليلاً ثم يخرج ليقود سيارته ويذهب لمقر عمله وأبناؤه إلى مدارسهم وأقصى ما يتذمر منه زحمة المرور وانعدام الأخلاق في السياقة، لو لم ننج لكنا الآن نستغيث ننادي العرب وننادي المسلمين والأخبار تنقل صور اللاجئين والنازحين البحرينيين.
كلما رأيت سقوط أوراق التوت الواحدة تلو الأخرى في عواصم الدول العربية عن شعارات الثورات وشعارات الحقوق وبقية الأقمصة العثمانية التي رفعوها، وكلما عايشت انكشاف حجم المخطط وبشاعته يوماً بعد يوم على مدى أربع سنوات، أحمد الله ألف مرة على أننا لم نكن من الذين انخدعوا وصدقوها وجروا خلفها ومعظم الذين صدقوا كانوا يصنفون على أنهم خبراء ومحللون ومفكرون هللوا لها وهتفوا لها وصعدوا على المنصات معها، بل الحمد لله أن نور الله بصيرتنا وتوقعنا ما يحدث اليوم في تلك العواصم منذ اليوم الأول وتحملنا كل ما اتهمنا به والحمد لله أن ثبتنا على موقفنا، واليوم تلقى الحجارة على من رمونا بها ثم انضموا للركب معنا وجاؤوا يقولون اليوم بما قلناه قبل أربع سنوات وثبتنا عليه.
الحمد لله أننا لم نكن من فئران السفن القافزة في البحر عند أول استشعار بغرق السفينة بل ثبتنا على موقفنا وجدفنا مع كل المخلصين بالسفينة الوطنية وما أكثرهم والله، ما أكثر المخلصين الذي جدفوا وهم وراء الكواليس دون أن يشعر بهم أحد، جنود لم تروها مؤمنين بالله وبقوة هذا الوطن وقدرته على الصمود ثبتوا في مواقعهم وآمنوا بما لم يؤمن به الكثيرون، حبهم للبحرين كان فطرياً وخالصاً لوجه الله قدموا ما قدموه لم يظهر اسم لهم في الإعلام ولم يعلم غير الله بما أعطوا، كانوا على يقين بأن هذه السفينة ستنجو وستخرج من بطن الحوت، متفائلون دائماً مبتسمون دوماً يشوبهم هدوء الواثق المتيقن من أن الباطل كان زهوقاً وأن مد الله طغيان من يعمهون، رغم كثرة عدد مشيعي الإحباط حولهم، فما أكثر الذين قالوا إن البحرين غارقة منتهية لا محالة أشاعوا الإحباط واليأس في من حولهم غلبتهم السلبية وتعبوا من أول سنة بل صرخوا يطالبون المكافآت الفورية والنقدية وكأن إنقاذ السفينة كان إنقاذاً للربان لا لهم (وقفنا هنا فماذا جازيتمونا؟ خرجنا هنا فماذا أعطيتمونا؟ ....) نسوا أن ما يملكونه الآن –أياً كان- رغم زهدهم به أصبح حلماً لآخرين.
الحمد لله بعد الذي نراه من حولنا نتيقن أن خروج البحرين من بطن الحوت أقرب إلى المعجزة، فحجم البحرين لم يكن ليستوعب حجم المؤامرة ولم يكن ليستوعب حجم المتآمرين وقوتهم وحجم استعدادهم، انظروا ماذا حدث للبقية انظروا لأحجام وجيوش وقوة السفن الأخرى كيف تهاوت وغرقت في بحر الدماء وغزتها الجماعات من كل حدب وصوب، انظروا لأعداد النازحين وأين كانوا قبل 2011 وتيقنوا أن لله حكمة في إنقاذ البحرين، وأكاد أجزم بأن اللاعبين الكبار المتآمرين ومعهم أحصنة طروادتهم المتحالفين الخونة ومعهم فئران السفن المتخاذلين مصابون بالذهول لقدرة هذا البلد الصغير على إفشال مخططهم، فلا تستغربوا أنه بعد أربع سنوات من المراوحة وتعليق أحوال البلاد كي يحسموا أمرهم ويتخذوا قراراً، بلغ بهم الذهول أنهم يبدون استعدادهم (للتفاوض الجاد) الآن، وقد مرت أربع سنوات وهم يزدرون من حاوروهم ويسخرون منهم ويسفهون آراءهم بصلف وغرور، أربع سنوات وأحوال البلد معلقة بانتظار الوصول معهم إلى تفاهم بلا نتيجة .. ألا يا صبر أيوب وهم الذين تحالفوا حتى مع الشيطان من أجل تحقيق أهدافهم.
لم يكن الأمر سهلاً أبداً فالأمر لم يكن لينجح بإدارة الدفة مرة واحدة في وجه هذه التلاطمات الموجية العاتية، أربع سنوات استغرقتها عملية التجديف والسفينة تعاني في ذات الوقت من خرق كبير داخلها لا تصمد معه أي سفينة، أربع سنوات وربانها يقودها بحذر متفادياً جبال ناطحات اعترضت طريقه وحملت فؤوس الهدم لم يتوقفوا للحظة إمعاناً في خرقها وركاب السفينة يتذمرون ويتمردون في أحيان كثيرة ويصفون أسلوب القيادة بالرخاوة والتهاون وربانها يرى وجهة واحدة هي المستقبل.
واليوم وصلت السفينة إلى بر الأمان .. واستوت على جوديها ولله الحمد والمنة ووجب الشكر لله جل جلاله والسجود له على ما أنعم به علينا، اليوم جاء وقت جني ثمار الصبر والتأني وجاء أيضاً وقت إصلاح كل الرتق الذي جرى أثناء التجديف.