في مجلسه العامر، الإثنين الماضي، إثر عودته بالسلامة إلى أرض الوطن؛ التقى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة بجمع من النواب والبلديين ورجال الدين والفكر والإعلام والصحافة وجموعاً من المواطنين من مختلف أطياف المجتمع. خلال اللقاء استمع سموه إلى العديد من وجهات نظر الحاضرين وآرائهم التي احتوى بعضها نقداً مباشراً وقاسياً للحكومة وأدائها في ظل استمرار إصرار البعض على تطرفه واعتقاده أن ما يطبق على الآخرين ينبغي ألا يطبق عليه ولا يطاله.
في ذلك اللقاء المفتوح تحدث سموه عن كثير من الموضوعات التي تم نشرها بالتفصيل في الصحافة المحلية، وحرص على إضفاء جو من المرح عليه، لكنه لم يستطع أن يخفي ما يشغل فكره من أمور هي في كل الأحوال نتاج تفكير قاصر ورؤية عقيمة سعى البعض إلى فرضهما على مجتمع البحرين المسالم، والذي من ديدنه النظر إلى المستقبل وعدم الانشغال بما يعيقه عن أداء دوره الحضاري الذي عرف به على مدى التاريخ.
كما هو سموه دائماً ظلت الابتسامة على محياه وبدا هادئاً وحريصاً على ألا ينقل ما قلبه منشغل به إلى الحاضرين، فكان يكتفي بإشارات وملاحظات سريعة، لكنه لم يجد بداً من التحدث بشيء من التفصيل عن جزئية مهمة كررها في ذلك اللقاء، حيث قال إنه «كلما سعينا إلى التركيز على بلدنا سعى البعض إلى إشغالنا بما يلهينا عن سعينا هذا، وإن كنا لا نستطيع في كل الأحوال عدم التأثر بما يدور حولنا»، وشرح قائلاً «نتفاعل مع ما حولنا ولكن علينا ألا ننشغل بذلك عن تنمية بلدنا»، وأضاف «فلا أعز من بلدنا، لذا علينا أن نأخذ الحذر مما يجري حولنا ولا نسلم أمرنا لغيرنا».
ثم تساءل مستغرباً الموقف السالب للبعض مما تتخذه الحكومة من قرارات وإجراءات لحفظ الأمن فقال «أليس من حقنا أن نحافظ على أمننا واستقرارنا؟»، وأضاف فيما يفهم منه أن الدولة مقبلة على اتخاذ حزمة من القرارات والإجراءات لتحقيق هذا الهدف فقال «من دون ضوابط في البلد الأمور لا تسير والبلد لا يتطور».
هذا يعني باختصار أن البحرين اليوم أمام تحد كبير يتطلب الحزم وعدم التردد في اتخاذ القرارات التي كان يتم الابتعاد عنها مراعاة لعادات المجتمع وتقاليده والأعراف والعلاقات الاجتماعية التي هي من طبيعة مجتمعات الخواطر، فقد عرف عن آل خليفة طيبتهم وحرصهم على إرضاء الجميع، وإن تطلب ذلك التنازل عن بعض حقوقهم، بل وإن فهمه البعض على أنه ضعف، وهو بالتأكيد ليس كذلك ولكنه من متطلبات الحكمة والروية في اتخاذ القرار كي لا يظلم أحد، فليس الإيذاء هو المبتغى وليس الانتقام.
لو أن الحكومة كانت صارمة منذ بداية الأحداث قبل ثلاث سنوات ونيف لربما لم نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم. هكذا يقول الكثيرون الذين انضم إليهم كثيرون آخرون صاروا يطالبون الحكومة بالدخول في مرحلة القرارات الحازمة وليس الناصحة أو المنبهة والمنذرة، فما آلت إليه الأمور يتطلب أموراً صار لابد أن تقبل عليها الحكومة وإن لم تكن متحمسة لها أو راغبة فيها.
كان صاحب السمو في مجلسه ذاك مبتسماً كعادته لكنه كان أيضاً متألماً لما يحدث، ولما آلت إليه الأحداث، ولما هو مقبل عليه من قرارات وإجراءات يعرف من يعرف خليفة بن سلمان أنه لا يحبها ولكنه مضطر إليها، فللصبر حدود، وما يجري قريباً من دارنا يتطلب عدم الانشغال بما نحن فيه كي لا نجد أنفسنا في غمضة عين وقد أعطينا من لا يريد لبلادنا الخير ما يريد وما يسعى إليه.