قرار سمو رئيس الوزراء بشأن «تنظيم آلية التعيين في المناصب العليا في الجهاز الحكومي» قرار يعبر عن نبض الشارع ولمصلحة الموظفين العموميين. وهو أحد القرارات التي تضبط عمليات الفساد الإداري التي أصبحت (منظمة) في بعض الوزارات. الأمر الذي أدى إلى تدني أدائها وفشل العديد من مشروعاتها.     
والفساد الإداري أخطر من الفساد المالي؛ إذ إنه البوابة الشرعية لكل هدر في المال العام أو سرقة له أو الجور عليه. لذلك فإن قضايا التوظيف والترقيات والتعيين في المناصب القيادية أصبحت من المعضلات التي يشتد حولها ضجيج الموظفين ويزداد يوماً بعد يوم.
فالجهاز الوظيفي للدولة لا يختلف عن أجهزة جسم الإنسان. فكل جهاز إنساني يجب أن يتمتع بسلامة وصحة معينة وفاعلية في أداء وظيفته. وأي (تشوه في التركيب) أو خلل في الأداء كفيل بإعاقة الإنسان أو حتى قتله. وكذلك الأجهزة الحكومية يجب أن تتمتع بعافية معينة وسلامة في التركيبة وفاعلية قوية في الأداء. ولا يتم ذلك إلا إذا كانت عناصر القطاعات الحكومية بإداراتها وأقسامها مبنية على أسس وظيفية موضوعية ومقننة.
المشكلة الخطيرة التي ينتجها الفساد الإداري هو قتل حماس الموظفين لتطوير مجالات العمل وتدني إيجابيتهم في المبادرة النوعية لتحقيق إنجاز وظيفي؛ لأن ذلك سيواجه بأدوات الإحباط الوظيفي المتمثلة في انعدام مبدأ التنافسية في الإنجاز الوظيفي وعدم تحقق عدالة الفرص والامتناع عن مكافأة المتميزين.    
غير أن هذا القرار، برغم حكمته قد يصطدم بذمة بعض الوزراء (الواسعة) التي تمرست عبر سنوات على الالتفاف على القرارات الحكومية. فالآلية التي يقوم عليها قرار تنظيم التعيين والترقية تعتمد بالأساس على عودة اللجنة المشكلة للمسؤولين في كل وزارة لتقديم (السير الذاتية) والمبررات الوظيفية لعمليات الترقي والتعيين في الوظائف القيادية؛ وهو المدخل الذي قد يوظفه بعض المسؤولين (واسعي الذمة) ليفرغوا القرار من محتواه وغاياته النبيلة.
فأشكال الفساد الإداري المتفشية في بعض أجهزة الدولة تقوم على (الشللية) في توزيع الدورات التدريبية التي يحصل عليها الموظف والمؤتمرات التي يلتحق بها وعضوية اللجان ورئاستها، وكلها تعتبر معايير موضوعية للترقي الوظيفي. غير أن امتحان صدقيتها يكون بامتحان استحقاق الموظف لدخول الدورات التدريبية وعضوية اللجان وحضور المؤتمرات الداخلية والخارجية ومدى صلة كل ذلك بطبيعة عمله وقياس أثر التدريب وتحوله إلى إنجاز وهو ما لا يحدث في واقع الأمر. فتحولت تلك الاستحقاقات الوظيفية إلى (هبات وعطايا شللية) يحرم منها أحياناً بعض الموظفين المستحقين فيتجمد وضعهم الوظيفي لصالح من يريد بعض المسؤولين القفز به وترقيته.
هذا القرار أثلج صدر الكثير من الموظفين الذين رأوا العديد من زملائهم يهبطون بـ (البراشوت) على المناصب القيادية دون معايير تؤهلهم لذلك ودون خبرة عمل كافية للوصول إلى تلك الوظائف، أو يتسلسلون في الوظائف الحكومية في ما صار يسميه الموظفون ساخرين (سلسول بو أسبوعين) كناية عن الانتقال السريع بين الوظائف الرأسية لتعليل الترقيات السريعة لبعض الموظفين دون غيرهم؛ ومؤشرات تلك التعيينات بدأت تتضح في التردي الكبير الذي شهدته العديد من قطاعات الدولة. ويأمل الجميع أن تعمل اللجنة المعنية بتنفيذ قرار سمو رئيس الوزراء على تحقيق الحكمة المرجوة من القرار وألا تكتفي بالمعطيات الشكلية شبه (المفبركة) التي قد تزودها بها بعض الوزارات.