قال الله تعالى في محكم كـتابه المبين: «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كـل ضامر يأتين من كـل فج عميق»، إن شعيرة الحج تتميز بأنها واحدة من الشعائر الهامة في الدين الإسلامي، وفيها فوائد جمة للأمة الإسلامية، أهمها بأنها تظهر عظمة وقوة الإسلام الذي تمكـن من جمع كـل هذه الأقوام والملل من مختلف الأعراق والألوان ومن مختلف أرجاء العالم ليوحدهم ويجمعهم على صراط الحق والصواب.
عند أداء فريضة الحج، يشعر المسلم وهو يقف أمام يدي الله القدير سبحانه وتعالى، بأنه يتلقى درساً بليغاً في المعنى الرسالي العميق للإسلام الذي لا يميز على أساس العرق أو الطبقة الاجتماعية أو المنصب أو ما شابه ذلك، وإنما يميز على أساس الإيمان بالله تعالى وحق تقاته، ومثلما لا يكـون هنالك من أي تمييز على أساس العرق، فإنه لا يكـون هنالك أيضاً أي تمييز أو تفاضل على أساس الطائفة أو المذهب، بل إن الحج يزيل كـل هذه العوارض الشكـلية أمام أبناء أمة الإسلام ويجمعهم على مبدأ التوحيد، وما يهم هنا، هو أن يتذكـر كـل مسلم وهو يؤدي هذه الفريضة هذه الحقيقة. الأمة الإسلامية التي هي خير الأمم طالما تمسكـت بنهج خير الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد «ص»، يجدر بها أن تعلم جيداً وهي تمر بهذه المرحلة التاريخية الحساسة حيث تجد نفسها في مواجهة أعداء وطامعين متربصين بها وبخيراتها ويريدون زعزعة إيمانها بدينها، عليها أن تستلهم العبر من فريضة الحج، خصوصاً عندما يقف الملايين بين يدي الله سبحانه ويشعرون بقوة سلطانه وعظمته التي ليس لها من نهاية، فيقفون شامخين بوجه أعدائهم رافضين للذل والخنوع.
الحج، ذلك المؤتمر الإسلامي الكبير، والتظاهرة الإيمانية الرائعة التي تشترك فيها صنوف متعددة من الأجناس، والفئات والطبقات، والقوميات على موعد واحد، وفي أرض واحدة، يرددون هتافاً واحداً، ويمارسون شعاراً واحداً، ويتجهون لغاية واحدة، وهي الإعلان عن العبودية والولاء لله وحده، والتحرر من كل آثار الشرك والجاهلية، بطريقة جماعية حركية، تؤثر في النفس، وتشبع المشاعر والأحاسيس بمستوحيات الإيمان، وأدلة التوحيد.
والحج كما صرح القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة إلى جانب كونه عبادة وتقرباً إلى الله سبحانه، فإن فيه منافع اجتماعية، وفوائد ثقافية، واقتصادية، وسياسية، وتربوية، تساهم في بناء المجتمع الإسلامي، وتزيد في وعيه وتوجيهه، وتساهم في حل مشاكله، وتنشيط مسيرته.
ففي الحج يشهد المسلمون أروع مظاهر المساواة، والتواضع، والأخوة الإنسانية، بإلغاء الفوارق والأزياء، وخلع أسباب الظهور الاجتماعي، والظهور باللباس العبادي الموحد «لباس الإحرام»، حيث يحس الجميع بوحدة النوع الإنساني، وبالأخوة والمساواة.
وفي الحج إعداد وتربية لسلوك الفرد ونوازعه، ففي الحج يتعود الحاج الصبر، وتحمل المشاق، وحسن الخلق، والتواضع، واللين، وحسن المحادثة، والكرم والتعاطف، والامتناع عن الكذب، والغيبة، والخصومة، والتكبر.
أداء فريضة الحج لمن استطاع إليه سبيلاً، من الفروض التي يحلم بأدائها كـل مسلم ومسلمة، ويتضرع المسلمون جميعاً إلى الله عزوجل أن يمن عليهم بذلك، وبطبيعة الحال فإن الله سبحانه وتعالى قام ببيان وتوضيح معظم المسائل والأمور المتعلقة بالدين الحنيف ومن ضمنها فريضة الحج، حيث قال جل وعلا في كـتابه المبين: «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقوني يا أولي الألباب»، ولذلك فإن أداء هذه الفريضة التي تتم على أراضي المملكـة العربية السعودية، وفي ظل وجود خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، تتم وفق ضوابط وسياقات مستمدة من الأصول الشرعية بإجماع معظم الفقهاء من مختلف المذاهب، وأن الخروج على هذه الضوابط والسياقات الشرعية يكون بمثابة فسوق وبدعة ما أنزل الله بها من سلطان، ولهذا فإن التزام الحجاج بالقوانين المعمول بها في هذا المجال والعمل ضمن التعليمات المحددة من منظم الحج، فإنه يكون بمثابة أداء لهذه الفريضة بالصورة المطلوبة شرعاً، أما الخروج عن هذه القوانين والضوابط والسياقات والانحراف عن أهداف الحج الأساسية لأغراض سياسية، فإنه بمنزلة البدعة وكـل بدعة ضلالة وكـل ضلالة في النار.
وفي ذات السياق، لا يبدو أن نظام ولاية الفقيه قد أخذ الدروس والعبر من حالات الفوضى والعبث والفتنة التي اختلقها على مر الأعوام الماضية في موسم الحج، حيث لايزال يصر على نشر البدع واستخدام موسم الحج لأغراض وأهداف سياسية بحتة ليست لها أية علاقة بهذه الشعيرة الإسلامية.
إن الواجب الشرعي يدعو أهل السنة والشيعة معاً إلى أخذ الحيطة والحذر من دعوة مشبوهة معادية ومضادة لآمال وتطلعات وطموحات العرب والمسلمين أجمعين، ونجدد الدعوة مرة أخرى لإخواننا الشيعة العرب بأن ينتبهوا إلى هذا المخطط الجديد ويكـونوا عوناً لإخوانهم من أهل السنة ولا ينخدعوا بالبدعة الضالة المضلة لنظام ولاية الفقيه باستغلال شعيرة الحج العبادية لأغراض وأهداف سياسية ضيقة هي أبعد ما تكون عن شعيرة الحج، ونوصيهم بأن يلتزموا بكل القوانين التي وضعها القيمون على موسم الحج، وأن يساعدوا في الحفاظ على أمن وسلامة حجاج بيت الله الحرام.

* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان