لم تخلُ الخطابات التي ألقيت أمام المجتمعين تحت سقف الأمم المتحدة في الدورة العادية التاسعة والستين لجمعيتها العامة، من محاولات الكثير من الزعماء إعلان معالم سياساتهم الدولية، ومواقفهم من التطورات العالمية المتسارعة، ولعل ذلك يبدو أمراً طبيعياً ومعتاداً، كون تلك المنصة الرخامية التي تعاقب عليها آلاف المتحدثين على مدار تاريخ المنظمة الدولية، باتت متنفساً يكاد يكون الوحيد لكثير ممن لا يسمع أحد أصواتهم، ولا يعير أحد قضاياهم أي اهتمام.
على منصة الأمم وقف رؤساء وقادة وزعماء ثوريون ومجرمو حرب ومحتلون، فتلك المنصة لا إيديولوجية لها ولا موقف، على عكس من وقفوا خلفها، وعلى عكس المنظمة التي وضعتها، التي لم تكن يوماً رمزاً للحياد ودعم حقوق الشعوب، بقدر ما كانت أداة الأقوياء وسلاحهم لمواجهة مطالبة الشعوب المستضعفة بحقوقها الأساسية التي حددتها المنظمة ذاتها في مواثيقها.
وبعيداً عن هذه الجدلية التاريخية بين القوي والضعيف، فإن الخطابات التي ألقيت أمام الأمم المتحدة الأربعاء الماضي، التقت بشكل عام حول مخاطر تمدد الإرهاب العالمي الذي باتت المنطقة العربية مركزاً لمخططاته، وسبل مواجهة هذا التهديد الوجودي لكثير من الدول في المنطقة والعالم، في ظل تطورات الأوضاع في العراق وسوريا، وما أفرزته من تغوّل للتنظيم العدمي المسمى «داعش» على كل من يخالفه الرؤى والتوجهات، وعلى كل من لا يتساوق معه أو ينضوي في إطاره.
هذا الإقرار العالمي بالخطر وما أفرزه من تبني مجلس الأمن الدولي بالتزامن مع انعقاد الجمعية العامة قراراً بالإجماع يهدف إلى وقف تجنيد وتحركات الإرهابيين الأجانب المشتبه بهم خاصة من «داعش»، الذي صاغته واشنطن وأقره أعضاء المجلس الـ 15 ورعته أكثر من 100 دولة، يؤكد أن الخطر الذي ترك للعبث بمصير المنطقة فترة من الزمن، خرج من كل إطار وتجاوز كل الحدود، وباتت المواجهة أمراً محتوماً وحيوياً لإيقافه وإنهاء تهديده إلى غير رجعة.
القرار أصاب بعض المتطلبات المهمة للمواجهة، وعلى رأسها دعوة الدول الأعضاء إلى منع وإيقاف محاولات تجنيد وتجهيز الإرهابيين المحتملين، ومنع هؤلاء من عبور الحدود من خلال تعزيز الأمن ورصد جوازات السفر.
ومع أن لغة القرار اتسمت بأنها عامة شأنها شأن لغة القرارات الأممية في غالبيتها، إلا أن مجرد اعتماده بهذا الإجماع، وإلزاميته لجميع الدول الأعضاء في المنظمة الأممية، أمران كافيان لتوقع ما يجب أن يلي القرار من قرارات وخطوات، من قبيل محاسبة الدول غير الملتزمة، واتخاذ إجراءات بحقها، رغم أن ذلك ليس متوقعاً على الإطلاق.
عشرات آلاف المقاتلين الأجانب تدفقوا إلى المنطقة للمشاركة في مخطط تفكيكها وضرب استقرارها، على مدى سنوات قليلة خلت، وباتوا يشكلون حالياً هماً دولياً عاماً، في ظل تمدد تهديدهم إلى الدول التي خرجوا منها للقتال تحت راية مزعومة، والآن باتت المواجهة أمراً مفروضاً على المجتمع الدولي، الذي تساهل عدد من أعضائه مع المسألة مدفوعين بأجندات سياسية لا تحمل خيراً للمنطقة، ولا تعبر إلا عن تساوقهم مع مخططات إيقاعها في المزيد من المشاكل.
المطلوب الآن استراتيجية عالمية للمواجهة تتخطى قراراً إجرائياً بات أمراً واقعاً قبل إقراره بزمن، تلتفت إلى الوضع المصيري الذي تمر به المنطقة، من دون حسابات ضيقة، أو أجندات غارقة في البحث عن مكاسب جانبية.
* عن صحيفة «الخليج» الإماراتية