وسط نقاش من نقاشات أيام العيد بين العائلة، دار تساؤل يتكرر هذه الأيام بشأن الانتخابات.
بالنظر لكثرة عدد المترشحين، يحق للناس التساؤل حول دوافعهم للترشح، ولماذا هم يترشحون في الأساس؟!
أغلب الإجابات كانت تتفق على أن كثيراً من المترشحين هدفهم ليس الدفاع عن الناس وتحقيق مطالبهم بل هدفهم الوصول للكرسي البرلماني والتنعم بمزاياه.
ومع هذه القناعة تجد الناس تتردد بشأن الذهاب للتصويت، إذ البعض يقول وماذا لو أسقط في يدي ولم أجد أمامي من يستحق منحه الصوت؟! بعضهم يقول لن أصوت، وبعضهم يقول سأشارك لكن سألقي بورقة بيضاء أو باطلة.
بيد أن هذه ليست الفكرة، بل الأصل في الموضوع أن البرلمان وجد للناس، وعليه من يترشح له يجب أن يكون الناس هم الأولوية بالنسبة لديه.
احترمت من قال رداً على مطالبات البعض له بالترشح بأنه كيف يترشح في منطقة لا يعرف من أهلها سوى بيت ذويه؟! كيف يخرج على الناس بعد ثلاثة فصول تشريعية ويقول لهم أنا مرشحكم، في الوقت الذي لم يزر بيوتهم يوماً ولم يجلس في مجالسهم ولم يقف على معاناتهم؟!
المسألة مرتبطة بالأخلاقيات وبالمبادئ، وهذا هو الصحيح، لكن هل الجميع يطبق ذلك؟! هل الجميع يضع المبادئ أولاً؟!
قد يكون التعميم ظالماً، فلربما كان هناك عدد محدود جداً هدفه خدمة الناس والارتقاء بالمستوى في عمليات الدولة، لكن المشكلة أن هذا العدد الضئيل يضيع وسط الزحام. والزحام هنا يكتظ بمن يريد الوصول إما رغبة في المكاسب المادية أو السفرات أو أقلها البرستيج، والأخيرة مسألة ترى من أجلها أناس تنفق الأموال وتقدم العطايا فقط حتى يكون في منصب «سعادة النائب».
هنا نبحث في الأساس عن «سعادة الناخب»، ومن هو النائب الذي يمكنه أن يحقق للناس ذلك، فمن يصوت هو لا يمنح صوته هكذا فقط لأنه يجب عليه التصويت إن اعتبر ذلك واجباً وطنياً، هو يفترض به أن يمنحه لمن فعلاً يمثله، ولمن فعلاً سيكون عمله وحراكه لأجل تحقيق رضا المواطن.
المشكلة أن الحد الفاصل بين العمل في المجالس البلدية والمجلس النيابي ضائع تماماً، فالمترشحون للمجلسين أصلاً يضيع بينهم الاتجاه في شأن العمل الخدماتي، وهذه المسألة التي تغيب عن ذهن المواطن ويقبل بالتالي بما يقدمه له المترشحون للمجلس النيابي من وعود هي في أصلها خدماتية ومعني بها المرشح البلدي، لكن طبعاً هناك من يلعب على أوتار العاطفة والحاجة.
المترشح البلدي معني بمشاكل أهل دائرته من ناحية الخدمات المختلفة، بينما المترشح النيابي معني بالتشريعات التي يمكنها تذليل عديد من الصعوبات وتفتح مجالات أوسع لتقديم الخدمات بصورة أفضل، ولكن هذا الفهم ضائع لدى الكثيرين، خاصة وأن المترشحين النيابيين يخدمهم هذا الفهم، بالتالي الوعود كلها خدماتية بحتة وليست معنية بالتشريع الذي هو أصل عملهم.
وسط هذا القول هناك من يلام على عدم الترشح، كشريحة مثقفين ورجال أعمال ناجحين وحتى سياسيين وإعلاميين، وهناك من يلومهم على ذلك ويعتبرهم يتقاعسون عن لعب دور مهم في تطوير العمل النيابي.
لكن الحق يقال هنا، إذ من يلوم تلك الشريحة إن كانت قناعتهم مبنية على ضياع وعي كثير من الناخبين أمام مغريات ووعود يقدمها مترشحون لا يملكون من الأهلية سوى منح العطايا واستخدام المال السياسي، وهذا أمر مجرم لكن السؤال من سيكشفه بالدلائل والثبوتيات أمام من يفترض بهم تطبيق القانون؟! المستفيد لن يفعل، والمتضرر سيعجز عن تأكيد ذلك.
يبقى التعويل على وعي الناخب، لكن في مرحلتنا الحالية يصعب تحديد أصلاً من يريد الترشح خدمة للوطن والناس من الذين يترشحون رغبة في حصد المكاسب.
نعلم تماماً بأن الناخب أمام نارين أصلاً، لكنه مطالب أقلها ببذل جهد في بيان الغث من السمين، في تحديد من يمكنه الدخول للمجلس والالتزام بوعوده وشعاراته ويعمل طوال أربع سنوات وفق المبادئ التي لا تجعله يحيد عن عمله في خدمة الناس.
هناك من يرى البرلمان كمكسب وغنيمة، وهناك من يراه وسيلة لتحقيق غايات الناس، والشريحة الأخيرة هي التي تستحق أن يصوت لها، لكن ينبغي معرفتها أولاً، ولن يكون ذلك إلا عبر ناخب واع مثقف استفاد من التجارب السابقة وأقسم بألا يكرر الخطأ ذاته إن كان منح صوته لمن لا يستحقه.