حسب أوباما فإن المقاتلين يأتون إلى سوريا والعراق بشكل خاص من ثمانين دولة، وأن مقاتلي داعش يتراوحون بين خمسة عشر وثلاثين ألفاً، وحسبه أيضاً ومسؤولين غربيين فإن القضاء على هذه المنظمة المتطرفة سيستغرق أعواماً. معلومات ليس مهماً الآن مدى دقتها حيث الواضح هو أن دول المنطقة -ودول مجلس التعاون جزء منها- تعيش مخاطر جمة، وأن النتيجة المنطقية لما يجري هو تمكن أمريكا والدول الغربية، وعلى الخصوص بريطانيا وفرنسا، من المنطقة وإعادة توزيع أراضيها وتحميل الدول الغنية، كلفة كل هذه الحروب ودفعها نحو شراء مزيد من الأسلحة لتشعر بشيء من الأمان، فأمنها معرض للخطر وهي مهددة بمستقبل يصعب تبين ملامحه.
بناء على تاريخ الاستعمار فإن العرب -مسؤولين وشعوباً- يعتقدون أن كل ما يجري الآن من أمور في سوريا والعراق بشكل خاص هو لتفتيت البلدان العربية وإضعافها والتمهيد للسيطرة على الجغرافيا والثروات وضمان أمن إسرائيل وتحويل الوطن العربي إلى بلدان تابعة تفعل ما تؤمر وتستجيب للغرب قائمة وقاعدة.
ليس الحديث هنا عن نظرية المؤامرة، فالمؤامرة هنا واضحة وضوح الشمس، خصوصاً أن أحداً لا يمكنه أن يوفر إجابات تثار عن داعش وأصلها وفصلها وكيف تشكلت وكيف حصلت على كل هذه الأسلحة وكيف دخلت سوريا والعراق وغيرها من الأسئلة التي توصل المرء إلى استنتاج ملخصه أنه لولا أن هذه الدول تقف وراء هذه المنظمات المتطرفة وتشجعها وتسهل لها الأمور وتزين لها لما تمكنت من كل هذا الذي تمكنت منه ولما استطاع مسلحون من ثمانين دولة الوصول إلى العراق وسوريا بشكل خاص، فلولا كل هذا الذي حصل ويحصل لما وجدت أمريكا والغرب الحجة القوية للعودة إلى المنطقة بكل هذا النشاط وهذا الافتتان، وهذه الغيرة الغريبة.
ما يقلق بالنسبة لدول التعاون هو أن أمريكا وضعتها في وجه المدفع بدفعها المسؤولين فيها للإدلاء بتصريحات قوية عن مشاركة بعض دول المجلس في عمليات قصف مواقع داعش والقول إن أمريكا إنما جاءت لتعينها على مواجهة أخطاره وغيرها من المنظمات المتطرفة، وأن محاربة داعش بالنسبة إليها أولوية، فخطورة مثل هذه التصريحات تكمن في أنها قد تفتح الباب لانتقال بعض ما يحدث اليوم في سوريا والعراق إلى منطقة الخليج العربي، خصوصاً أنه تتواجد فيها خلايا نائمة بدأ بعضها في الاستيقاظ. وكل هذا سيؤدي بطبيعة الحال إلى مزيد من تحكم الأمريكان والغرب في المنطقة وتحويل دولها إلى أداة تضرب بها من تشاء وتجعلها تمتص كل الضربات والنقمات.
ربما قال قائل إنه لا خيار أمام دول التعاون سوى المشاركة في هذه الحملة ضد داعش وغيرها من المنظمات المتطرفة على اعتبار أن خطرها بدا واضحاً ولن تنجو منه هذه الدول، وأنه لا خيار أمامها سوى أن تصرح بما صرح به بعض مسؤوليها. كل هذا صحيح، وصحيح أيضاً أن الحصول على موافقة شعوب التعاون بأي طريقة كانت ليست إلا تحصيل حاصل لو أن حكومات التعاون سعت إلى الحصول عليها، ولكن كل هذا يوفر الحجة لأمريكا ومن معها للتواجد في المنطقة والصراع عليها، ويوفر الحجة للمنظمات المتطرفة كي تنفذ ما في رأسها والذي لم يتردد بعض المنتمين إليها عن التصريح به جهاراً نهاراً.
كيف ستكون أحوال منطقة الخليج العربي بعد سنة أو أقل أو أكثر؟ أمر لا يعلم به إلا الله سبحانه وتعالى، ولكن الكثير من المؤشرات تقود إلى أنه وبسبب كل هذه التطورات التي حدثت والأحداث التي تتسارع فإن دول التعاون على موعد قريب من الدخول في مرحلة صعبة قد تبدأ، ولكن لا أحد يعرف كيف ومتى ستنتهي إن لم تتوحد جبهتها الداخلية.