من أهم المضامين الخيرة التي أكد عليها الإسلام هو القول اللين والنصيحة بالتي هي أحسن، ورفضه القاطع لكل الأساليب والأفعال التي من شأنها تأجيج المشاعر الإنسانية والخلافات بين البشر، ومن هنا ومن هذا المنطلق جاءت خطبة صلاة الجمعة بكل تفاصيلها كأداة راقية من أدوات طرح الفكر الإسلامي النقي في أجواء مليئة بالإيمان والحب بعيداً عن المشاحنات والمنغصات والمزايدات وكل ما من شأنه أن يخلق زوبعات مجتمعية وإثارات سياسية وفتناً مذهبية.
لا يعني هذا القول أن تتحول خطبة الجمعة إلى مجرد حديث بارد وغير فاعل، أو أن تتحول إلى مجموعة من القصص والحكايات التي لا تطال الواقع الاجتماعي بكل همومه وانفعالاته وقضاياه، فتكون كالخرافات المكررة والمملة، فلا تستطيع أن تخلق واقعاً من شأنه أن يغير الجمود الحاصل في المجتمع، كما إنها ستفشل في رسم طريق للمستقبل.
إن خطبة الجمعة النموذجية التي يمكن أن تناسب هذا العصر هي التي من شأنها أن تؤكد على القيم والمشتركات الإنسانية الكبيرة والكثيرة، وتركز كذلك على الجانب القيمي في حياة الأفراد والمجتمعات، تلك التي تدعو إلى المحبة والتعايش والسلم والصلاح، بعيداً عن خطابات التكفير والتهييج والفوضى والطائفية والمذهبية ولغة الشتائم، كما يجب أن تنأى خطب الجمعة عن العصبيات السياسية والحزبية وأن تبتعد عن المديح الفارغ أو الهجاء المفرط لفصيل سياسي بعينه.
يجب أن تكون خطبة الجمعة متوازنة في طرح المفاهيم بطريقة ذكية، كما يجب أن تتخذ موقف الحياد من القضايا السياسية والمذهبية، وحتى تستطيع تجاوز المطبات عليها أن تلعب على العموميات والمشتركات وأن تدفع ببناء الإنسان نحو الفضيلة، وهذا لن يكون إلا بتجاوز الخطيب لكل المهاترات العصبية والسياسية والمذهبية الحاصلة اليوم بفعل واقعنا القلق.
حين نتحدث عن خطبة الجمعة ومواصفاتها المثالية، يكون من المهم أن نتحدث عن شخصية الخطيب. يجب أن يتمتع خطيب الجمعة باللباقة والحكمة، كما يجب أن يكون واعياً ومدركاً للأخطار التي تتربص بالواقع الإسلامي والإنساني، كما لا يمكن أن يكون خطيب الجمعة منحازاً لفئة دون أخرى بطريقة عصبية أو قبلية، وألا يكون عاطفياً بطريقة سلبية وساذجة، ومن الضروري أن يكون الخطيب ملماً بالأحكام والقواعد الشرعية باختلاف الآراء والمذاهب الإسلامية، كما إنه لابد أن يكون الخطيب على قدر كافٍ من الأخلاق والتربية السوية والعلم النافع.
إذا استطعنا أن نتحصل على خطيب جمعة بهذه المواصفات الراقية، فمن المؤكد أننا سوف نحصل على خطبة نافعة لحياتنا اليومية، وحينها سنتخلص من خطباء الشتم والقذف والتحريض على الكراهية، كما سيكون التقارب الإسلامي الإسلامي واقعاً أكثر من كونه نظرية في عقول المصلحين ومراكز التقريب بين المذاهب والمسلمين. فكل ما نحتاجه لنجاح هذه العملية هو خطيب يخاف الله وكفى.