فهم الواقع وقبوله والتعايش معه، دائماً يكون أهم التجارب التي عرفها تاريخ المجتمعات حول العالم، لاسيما تلك المجتمعات ذات الأعراق والطوائف المتعددة التي حصل فيها شرخ أو تعرضت لهزات داخلية، ليست أحداث البحرين هي الأصعب في العالم فهناك حالات لا يمكن مقارنتها بالحالة البحرينية من حيث القوة والأثر، ومع ذلك تمكنت الشعوب من تجاوزها، كحالة جنوب أفريقيا التي انقسم فيها المجتمع واعتزل فريق الحياة السياسية متخذا طريقا آخر، فكيف تم ذلك؟
تولى رجال الأعمال عملية الضغط على الدولة والمجتمع كل يضغط على الطرف الذي ينتمي له، كان ذلك بعدما أدركوا أن التقدم الاقتصادي المزدهر سيتوقف تماماً إذا لم يتقدم الوضع السياسي خطوة، لم تكن المسألة سهلة فقد حصلوا على معارضة من جمهورهم الواقع تحت التأثير النفسي للأحداث لدرجة أن طرفاً منهم شرع في تأسيس دولة داخل الدولة، إلا أنهم في النهاية نجحوا في مهمتهم ووصلوا إلى تسوية جعلت الأمور تسير في وضعها الطبيعي، وأفضل نتيجة للضغوط، تلك التي دفعت أحد أطراف المعادلة إلى تغير أسلوبه في التعامل من العنف إلى المشاركة في الحياة السياسية وفهم الظروف المحيطة به، وبذلك طوت جنوب أفريقيا صفحة لا يريد أحد أن يبقى داخل أسطرها.
ولإيجاد الحل في البحرين لابد من تشخيص المشكلة التي يبدو أن الجانب النفسي عاملها الأساس، فهناك رفض لقبول الواقع وكل محاولات التعايش معه، في حالة يطلق عليها علماء النفس «التنافر الإدراكي» وهي عملية تناقض في نفس الإنسان بين الاعتقاد والسلوك من جهة والحقيقة والواقع من جهة أخرى، فأحد أطراف المعادلة تم إقناعه من قبل رموزه أن «ما يفعله ثورة مشروعة ضد حكم مستبد وأنهم قاب قوسين أو أدنى من تحقيق النصر»، وبقي الخطباء والزعماء يرددون ذلك حتى اعتقد الناس ذلك وانعكس ذلك على سلوكهم لكن الحقيقة والواقع غير ذلك تماماً والصورة التي جعلوها اعتقاداً لا أساس لها من الصحة، لذلك يلجؤون في كل مرة يعدون جمهورهم فيها بالنصر إلى تفسير تأخره ولا يعترفون بالواقع ويتعايشون معه، فما هو الحل؟
لا يكون الحل إلا بالاعتراف بالواقع ومواجهته والتعايش معه لا التهرب منه، أحداث 14 فبراير كانت صعبة وأحدثت شرخاً عميقاً بين طرفي المعادلة، ومواجهة ما آلت إليه الأحداث والقبول بها ليس فقط علاجا للتوتر الحاصل بين طرفي المعادلة بل هو مطلب لكل من يعتقد أنه ينتمي لهذه الأرض حفاظا على الأجيال القادمة، وأن يتقبل العيش المشترك بكل جوانبه ومنها الحياة السياسية، وهنا لابد أن تكون لرجال الأعمال والوجهاء كلمتهم، كل مع الطرف الذي ينتمي إليه ويكونوا أداة ذلك التقدم المنشود، وبخلاف ذلك سيكون أول المتضررين أصحاب الأعمال من كلا الطرفين وسينعكس ذلك سلبا على المجتمع، وإن كان النموذج الجنوب أفريقي بحاجة إلى الضغط على الدولة، فقد كفت الدولة في البحرين من يتصدر لذلك الأمر بحرصها على إيجاد الحل، والكرة اليوم في ملعب الفرقاء السياسيين