المثير في أمر المشكلة البحرينية أنه كلما اقترب أطرافها من الحل تعقدت، وكلما طرحت مبادرة أوجدوا فيها ألف عيب وعيب وكثر الكلام واللغط وكثر الغلط. من المثير أيضاً أنه كلما تعقدت المشكلة برز من «المعارضة» نفر يقول إنه لا سبيل إلا بالجلوس إلى طاولة الحوار، وعندما تنصب طاولة الحوار يضعون فيها ألف عيب وعيب قبل أن ينسحبوا منها ويطالبوا بها من جديد! فـ «المعارضة» ترى الحوار ضرورة ولكن بشرط أن تلبى فيه مطالبها هي فقط، وإلا فلا قيمة له وينبغي الانسحاب منه. هذا ما حدث في المرات السابقة، وهذا ما سيحدث في المرات اللاحقة، وهذا ما يحدث الآن مع تحرك سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة الذي ما أن رأوا أن سموه يقترب من نقطة النهاية حتى تنادوا وقالوا في ما تم التوصل إليه ما قالوا، ومن ذلك أن الذين وقعوا على الوثيقة المرفوعة إلى جلالة الملك خدعوا وأنهم وقعوها غصباً عنهم بعدما أحرجوا وأنهم لا يمثلون الشعب.
بالتأكيد فإن من حق «المعارضة» أن تقول ما تود قوله وأن تتخذ ما تود أن تأخذه من موقف، ولكن من حق هذا الشعب عليها ألا يكون دورها محصوراً في انتقاد المبادرة والتحرك ونثر التصريحات يمنة ويسرة والدعوة إلى الخروج في مظاهرات. كان الأولى من كل هذا طلب اللقاء مع سمو ولي العهد أو سمو رئيس الوزراء لبيان أسباب التحفظ والرفض ومحاولة التوصل إلى نقاط محددة تسهل عملية الخروج من عنق الزجاجة.
لو تم جمع التصريحات والتعليقات والآراء التي تم تداولها في اليومين الماضيين لما احتواها كتاب من ألف صفحة من القطع الكبير. هذا عيب واضح في «المعارضة»، وهو خطأ يتكرر، ردة فعل سريعة وتصريحات بعضها عنيف وقاسٍ ولا آخر لها ومواقف سلبية تحكمها العاطفة وتتحكم فيها آراء جهات خارجية.
التهديدات التي أطلقها أمين عام الوفاق الجمعة الماضي بمقاطعة الانتخابات وتصفير صناديقها ومواصلة الحراك الميداني وما إلى ذلك تؤكد هذه الحقيقة، وتصريحاته المبالغ فيها والمحبطة لا يفهم منها سوى أنه يبحث عن سبب لاعتقاله كي يبدو بطل المرحلة وتكسب الوفاق دون غيرها تعاطف الخارج وتضمن استمرار المشكلة وتعقدها وتضمن عدم شطبها من قبل ما يسمى بـ «ائتلاف فبراير» الذي أوصل إليها تهديداً واضحاً ملخصه أنها لو وافقت على خطوات سمو ولي العهد فإن عليها أن تستعد لخسارة الشارع الذي سيصير كله ضدها فتخسر تاريخها ومستقبلها وينتهي أمرها.
ما ركزت عليه «المعارضة» فيما يخص وثيقة التوقيعات هو أن من وقعها لا يمثل الشعب، فهل الجمعيات السياسية هي التي تمثل الشعب؟ هل جمعية الوفاق تحديداً هي التي تمثل الشعب؟ بالتأكيد لا، فلا الوفاق ولا الجمعيات السياسية هي الشعب، وليس جزءاً من الشعب هو الشعب.
أما أولئك الذين اختاروا البقاء في الخارج فاعتبروا خطوة سمو ولي العهد وخطوة الموقعين على الوثيقة فرصة ليفرغوا ما في داخلهم من غل على كل شيء، فوصف أحدهم أصحاب التوقيعات بأنهم «مسلوبو الإرادة»، وقال آخر عنهم إنهم «لا يمثلون صوت الشعب»، بينما اهتم ثالث بالقول إن «هؤلاء ارتبطت مصالحهم بمصالح الحكومة وأنهم لا يملكون بعداً شعبياً».
هكذا هو الحال دائماً مع أي تحرك وخطوة إيجابية تخطوها الحكومة، حيث يوجدون فيها من العيوب ما ليس فيها ويضعون أمام المبادر بها من العقبات ما يضمنون به إفشال الخطوة، ما يعزز من الرأي القائل بأن هذه «المعارضة» ليست إلا أداة في يد الأجنبي الذي يدفعها نحو رفض كل حل في هذه المرحلة