هذه المقولة التي درجت عليها منذ قرون ثقافتنا وأجيالنا المتعاقبة؛ فمتى وقع أحدهم في مطب وخلل فادح في أداء عمله وأردت معاتبته أو نصحه أجابك: «يا أخي ما أنا إلا بشر والكمال لله والعصمة لرسوله»، ليقطع عليك الطريق في نقده وتقويمه، والحقيقة أن تلك المقولة التي جعلها البعض شماعة ليعلق عليها قصوره ويداري بها عجزه ما هي إلا كلمة حق أريد بها باطل، ولا أجد ربطاً وتداخلاً أو إسقاطاً لذلك التوصيف مع واقع الحياة.
فكمال الله جلت قدرته تتجلى في عظمة خلقه وبديع صنعه وحسن تدبيره، أما عصمة رسله (عليهم وعلى رسولنا أزكى الصلاة وأتم التسليم) فهي في تبليغهم رسالاته واكتمال أخلاقهم وإخلاص عملهم.
لقد بسط الله الأرض لخلقه وهيأ لهم فيها كل مستلزمات الإبداع وصولاً بهم إلى الكمال والتكامل في صنعة البشر، بل حثهم عليها، وهذا مقصد عظيم من مقاصد الشريعة السمحاء بالسعي وبذل أقصى درجات الجد في العمل، بل جعله الله صنواً للعبادة (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
فالطالب يسعى للحصول على درجة الكمال في مناهجه، والطبيب الجراح الماهر يأمل أن ينقذ مريضه وتتكلل جهوده بنسبة نجاح 100%، والمهندس الحاذق يتطلع لأن يكون تصميمه متميزاً وينفذ كاملاً مثلما خطط له، والمزارع يحرث ويعزق ويعرق لحصاد كامل غلته، وأصحاب الحرف يطورون باستمرار لتحسين جودة بضاعتهم لتسويق كامل إنتاجهم.
صعوداً إلى أعلى المناصب في الدولة؛ فالوزير المعني يبذل قصارى جهده ليحصل على كامل مخصصات وزارته من الميزانية ويخطط لينفقها جميعها في برامجه ويحرص على أن لا يعيد فلساً للخزينة أو يدوره. والآخر يخطط إلى خفض مستوى الجريمة إلى الصفر لينقل بلده ويضعها في أول السلم للدول الأكثر استقراراً وأمناً، وكبير موظفي الصحة يروم القضاء على كل الأوبئة والأمراض ليصل إلى مجتمع معافى ومتكامل صحياً، والأمثلة تتهادى أمامي كثيراً.
معذرة؛ أقولها بحسرة وغصة، كل ذلك يحدث في دول ننعتها بالكفر والضلال، هم يجدون ويطوون الزمن ويواصلون الليل بالنهار للوصول للكمال في عملهم وصنعتهم، وقومنا يلوون عنق النصوص ليداروا عجزهم، وبذلك يزيدون من وزرهم بافترائهم القول على ربهم ورسوله.
يا قومنا كفاكم سباتاً وترهلاً، فشدوا العزم وانشدوا الكمال في كل أموركم والحقوا بالركب ولا تحملوا القول الحصيف ما لا يحتمل.