في زحمة الأحداث التي حولنا، ولأننا جميعاً أصابنا الملل من مشاهدة ومتابعة ذات الأحداث كل ساعة في ليبيا واليمن ومصر وسوريا والعراق ولبنان، وأحياناً في تونس والجزائر، لهذا فإننا نتجاوز العديد من التفاصيل التي تكون مدخلاً لبعض الوعي وفهم ما يجري.
«السلاح» بأنواعه ومستوياته والذخيرة والمعدات العسكرية قاسم مشترك في كل ساحات النيران أو مساحات القلق والترقب حولها، الجميع يستخدمون السلاح؛ وهذا يعني أنهم يشترون السلاح والذخيرة، وكل قلق أو فوضى أمنية وسياسية أو حرب طائفية أو عرقية يعني أن أصحابه يستعملون الأسلحة، وحتى الأحزاب السياسية في بعض الدول فإنها تتحرك بحماية ميليشيات وأسلحة وقناصين.
إنها حدائق الشيطان في دول تصنيع السلاح التي تنتج كل هذه الكميات من الموت والسلاح، وهي تجارة لا تتوقف؛ فالدول تريد السلاح والمعارضة تريده، والعصابات التي تنمو أنواع تجارتها تريده، والمواطن القلق يريده، والجميع لا غنى له عن حدائق الشيطان فهي قبلة الجميع، وهناك أموال بالمليارات يتم إنفاقها من الجميع.
لو توقف أحدنا عند المشهد السوري مثلاً لرأينا النظام الذي يستهلك كميات كبيرة من الأسلحة بكل أنواعها، والجيش الحر بكل تضاريسه وعشرات التنظيمات التي تنضوي تحته يستعمل أسلحة وذخائر، وهناك حزب الله ومقاتليه وأسلحته، وجبهة النصرة وما تحتاجه من سلاح، و«داعش» وما تحتاجه من سلاح، وهذا الاستهلاك ليس ليوم أو لشهر؛ بل منذ حوالي أربع سنوات، فكم هي هذه الكميات؟!
أما العراق فالزمن طويل؛ ولنأخذ مرحلة ما بعد الاحتلال حيث ميليشيات الشيعة والقاعدة وحلفائها، والجيش العراقي وأجهزة الأمن والعشائر والصحوات، فضلاً عما استخدمه الجيش الأمريكي وما زال.
والحال أيضاً في ليبيا التي لم يتوقف فيها استخدام السلاح منذ رحيل القذافي، الجميع هناك يتحدث عن الديمقراطية لكن الفعل الحقيقي للميليشيات، الموت والقلق بصبغة السلاح الذي تستخدمه كل الفئات ولا أحد ينتصر.
أما اليمن فهي أرض السلاح المرافق للأشخاص والقوى الاجتماعية، لكن الجميع تحول إلى ميليشيات من حوثيين وغيرهم، وحتى الجيش أصابه مرض الانقسام والمحاصصة.
وإضافة إلى الجيوش فهناك الأجهزة الأمنية، وبخاصة في دول الربيع العربي، التي أنفقت كميات كبيرة من السلاح ومعدات الأمن والطوارئ، وكل هذا يعود «خيره!» إلى حدائق الشيطان.
نشرات الأخبار تعطينا بعض المشهد، وتقدم لنا موجزاً عن مكان السلاح الذي يملكه كل طرف، بلا منتصر ولا انتصار، وعندما يكون هذا السوق نشيطاً فلا مكان للحديث عن تنمية أو تطوير تعليم وصحة، فالأولوية اليوم للدبابة والبندقية والذخيرة.
وأخيراً فحتى الدول الآمنة، مثل بلادنا، ينشط فيها تجار السلاح الشخصي، ولعلي أشير إلى معلومة من أحد الخبراء في هذا المجال بأن أكثر من 80% من السلاح الشخصي الذي يتم تداوله في بلادنا من إنتاج تركي، ومن المؤكد أن ساحتنا ليست المستورد الوحيد للإنتاج التركي، فالسياحة ومسلسلات الغرام قد لا تأتي بمردود أكثر من السلاح للأشقاء الأتراك، وهو تاجر صغير قياساً للدول الكبرى ومصانع السلاح فيها.
- عن جريدة «الرأي» الأردنية