هل يملك جنوب اليمن مقومات بناء دولة أفضل مما يمكن أن تكون عليه دولة الوحدة؟
السؤال الذي يتحاشى أنصار الانفصال الإجابة عنه
حول مسألة انفصال جنوب اليمن عن شماله؛ علق أحدهم على زميله في موقع الفايس بوك قائلاً: دول منفصلة خير من يمن شيعي. فرد عليه الآخر: إذا كنتم تعايرون شمال اليمن بتمدد الحوثيين فحلال عليكم في الجنوب تجذر تنظيم داعش. ويبدو هذا الحوار المتواضع توصيفاً حقيقياً لصورة يمن المستقبل. يمن مهدد بالانفصال يسيطر على شماله الحوثيون الشيعة وعلى جنوبه الدواعش المتطرفون.
أذكر أن أحد الحسابات المروجة للانفصال على موقع التويتر عقب على سؤالي حين قلت له: أنت يمني فلماذا تطالب بتقسيم الشعب اليمني، قائلاً: أنا لست يمنياً، أنا من الجنوب العربي!!. ثم اكتشفت أن اسم الدولة المنفصلة المقترح هو دولة الجنوب العربي. لماذا هذا الاسم ؟ وما أصله؟ لم أعثر على جواب لحد الآن سوى أنه الاسم الرسمي لليمن أثناء الاستعمار البريطاني، والذي تغير إلى جمهورية اليمن الديمقراطية بعد الاستقلال إلى ما قبل الوحدة مع شمال اليمن. عودة اسم اليمن أثناء الاستعمار البريطاني باعتبارها دولة الاستقلال والديمقراطية تذكرني برفع علم الانتداب الفرنسي في سوريا باعتباره علم الثورة من أجل الحرية والديمقراطية ضد نظام بشار الأسد. كلاهما يحملان دلالات عودة للاستعمار والهيمنة الخارجية. محو اسم (اليمن) من الدولة الانفصالية محاولة لطمس أي عامل مشترك أمام الأجيال القادمة إذا فكرت باستعادة الوحدة اليمنية.
هل يملك جنوب اليمن مقومات بناء دولة أفضل مما يمكن أن تكون عليه دولة الوحدة؟ ذلك السؤال الذي يتحاشى أنصار الانفصال الإجابة عنه، ويستعينون بدولة الجنوب قبل الوحدة ليثبتوا أنهم قادرون، علما أن جميع قيادات الصف الأول التي حكمت اليمن بعد ثورة 2011م هي قيادات جنوبية أثبتت فشلها بل تسببت في الوضع الكارثي الذي وصلت إليه اليمن اليوم. علماً أن أبرز قادة الانفصال علي سالم البيض يستلم دعماً مادياً من إيران وتركيا حسب كثير من المصادر. فأي دولة في الجنوب سيقدر هؤلاء على بنائها بعد أن تجاوز الزمن وضع دولة الجنوب وإيديولوجيتها الاشتراكية؟
مشاهد الحشد الجنوبي للمطالبة بالانفصال التي أقيمت تزامناً مع ذكرى استقلال جنوب اليمن من الاستعمار الانجليزي وما تضمنتها من إنزال أعلام الوحدة ورفع أعلام الانفصال هي في حقيقة الأمر مشاهد رجعية يقودها مجموعة من الانتهازيين الذين استغلوا حالة انهيار الدولة وتفجر تناقضاتها واستقواء المشاريع الخارجية على أرضها ليحققوا أكبر جريمة يمكن ارتكابها في حق أي بلد وهي تمزيقها وتفتيتها. تلك الجرائم التي تتشح بالشعارات المخاتلة والمهرجانات المخادعة، تماماً كما يرفع القتلة ورداً باليد الشمال ويخفون الخناجر باليد اليمنى!!
من حق جميع الشعوب أن تقرر مصيرها. تماماً كما قرر شعب جنوب السودان الانفصال وها هو اليوم يغرق في الاقتتال القبلي ومهدد بالانقسام شرقاً وغرباً في صراع القبائل على المراعي وعلى النفط. ولكن على من يمتلك ناصية القرار أن يقف أمام حكم التاريخ كما يقف أمام محكمة عاجلة غير آجلة. ومن حق الشعوب العربية أن تبدي رفضها لأي مشروع انفصالي وأن تطالب الجامعة العربية ودول الجوار بدراسة قضية انفصال جنوب اليمن دراسة جدية تبحث في أصول المطالبات بالانفصال ونتائجه وأثره على الأمن القومي العربي. فشمال اليمن يتمدد فيه الحوثيون حتى مضيق باب المندب، ودولة الجنوب ستقوم برعاية إيرانية وتركية، ودول الخليج تحديداً والدول العربية عامة خارج الحسابات تماماً.
أما نحن الشعوب العربية، فسنبقى أوفياء لمشروع الوحدة العربية بأي صيغة كان. لم يتجاوزنا الزمن ولم تغرقنا الشعارات، حتى وإن خذلنا الزمن وهزمنا الواقع وغلبنا أصحاب المصالح الفردية. فنحن نزداد إدراكاً بأن الخلاص الفردي جريمة فادحة وأن لا خلاص لهذه الأمة إلا بتنسيق عربي مشترك وبمشروع وحدوي يقرأ هذه المنطقة الجغرافية باعتبارها منطقة واحدة الجغرافيا والهوية والمصير.