همست لي بصوت يغلب عليه الخجل قائلة: «لا أعرف من أين أبدأ القصة، حيث إن هناك أمراً غريباً يحدث لي هذه الأيام، فهناك شخص معجب يتتبعني بأسلوب غريب، وأصبحت أراه في كل مكان أذهب إليه تقريباً، لدرجة تجعلني أشعر بالرهبة والارتباك، ولجأت لك لأنني لا أعرف كيف أتعامل مع تصرفاته الصبيانية».
وأكملت: «لا أعرف عنه الكثير، أعتقد بأنه يسكن بالقرب منا، بدأت ألاحظ وجوده أمامي في كل مكان، أصبح يصلي صلواته في المسجد القريب من بيتنا، ويصاحب أبناء الحي ويحضر جميع مجالسهم سواء للأفراح أو الأحزان. إضافة إلى أنه أصبح دائم التردد على بيتنا، يسأل دائماً عن أحوالنا وأوضاعنا. ويختلس الفرصة للسلام علي شخصياً، متحججاً بالسؤال عن عملي ومشاكله. تخيلي بأنه يوقف سيارته أحياناً في وسط الطريق معرضاً نفسه للخطر من أجل إلقاء السلام علي».
واصلت حديثها قائلة: «أحضر لنا التمر والزيت والرز مع بداية شهر رمضان الكريــــم، وأبى إلا أن يدخل الأغـــراض بنفسه للبيت ليسلم على والدتي ويبارك لها بالشهر الفضيل. كما إنه يزورنا قبل الإفطار بصفة شبه يومية ليقدم لنا ما لذ وما طاب من المأكولات. لن تصدقي إذا قلت لك بأنه طلب من أبناء جيراننا الأيتام مستنداتهم الشخصية ليتابع لهم موضوع صرف نفقاتهم واستحقاقاتهم مع الجهات الحكومية، أعتقد بأنه يقوم بذلك من أجل التقرب إلي وكسب ودي».
والتفتت لي مضيفة: «تحرجني تصرفاته، وتدهشني جرأته، تخيلي بأنه استوقفني يوم أمس على مرأى ومسمع من أبناء الحي ليسألني إذا كان هناك ثمة شيء ينقصني من حوائج الدنيا.. تلعثمت ولم أعرف كيف أرد عليه».
«.. تخيلي بأنه لم يكتف بهذه التصرفات فقط بل بدأ يتتبعني حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتفاجأت به يرسل لي طلب قبول على حسابي الشخصي في الفيسبوك والتويتر والإنستغرام.. ليس هذا وحسب؛ بل إنه تعرف على رقم هاتفي وبدأ يرسل لي كل يوم أمنياته لي بصباح مميز ومساء أفضل».
لم يتخلل سردها لقصتها سوى سؤال صديقتنا فاطمة لها: «غريب أمر هذا الشخص، إنه جريء جداً، من هو هذا الشخص؟»، فأجابت على استحياء: «اسمــه فلان ابن فلان..». وإذا بصديقتنا فاطمة تقع من طولها من فرط الضحك وهي تقول: «هو ليس بمعجب» وهي تكمل قهقهاتها «إنه يقوم بكل هذه التصرفات لأنه ينوي ترشيح نفسه في منطقتكم ويبحث عن الدعم..».
لم أستطع أن أمنع نفسي عن الضحك، فبالفعل هذه هي تصرفات المرشحين هذه الأيام تحديداً، حيث إنك تجدهم ينشطون فجأة وتراهم في كل مكان وفي كل مجلس، وتراهم رغم قساوة الجو هذه الأيام يتجولون في المناطق التي ينوون الترشح فيها، ويلقون السلام على الجميع دونما استثناء، ويقدمون العطايا كل حسب مقدرته الاقتصادية، ويحاصرون الناس في مواقع التواصل الاجتماعي ويخترقون خصوصياتهم باستخدام برامج التواصل على الأجهزة الذكية كالواتساب كل ذلك من أجل ضمان صوت انتخابي.
فلا تستغربوا إذا ما لاحظتم تغيراً مفاجئاً في تصرفات البعض ممن ينوون الترشح للمجلس البلدي أو النيابي القادم، حيث إن نواياهم الانتخابية هي من تدفعهم للتعامل بلطف زائد مع الجميع من أجل ضمان أكبر عدد من الأصوات.