نطالب بإيجاد هيئة عليا معنية بالتخطيط الاستراتيجي وتقييم الأداء العام للدولة ووضع اليد على الأخطاء والعمل على تصحيحها
بحسب تصريحات سمو ولي العهد -حفظه الله- خلال زياراته لعدد من المجالس الرمضانية الأسبوع الماضي، فإنه تم التوجيه لتخصيص ما يقارب 50% من الموازنة المخصصة لبرنامج التنمية الخليجي للإسكان و43% للبنى التحتية و7% للرعاية الصحية والاجتماعية.
وبتفكيك النسب ومقارنتها بالأرقام المالية، فإن هذا يعني رفد موازنة الإسكان بواقع 7.5 مليار دولار، وتتوزع بقية المليارين ونصف بين الخدمات التي ستحظى بنسبة أكبر عن الخدمات الصحية والاجتماعية.
هذا التخصيص يتسق مع المطالبات العديدة التي وجهتها الصحافة وقوى المجتمع وحتى الناس، بحيث يكون لمبلغ الدعم الخليجي تأثير مباشر وملموس في حياة المواطنين، وكنا قد اقترحنا في السابق أن تخصص -مثلا- الموازنة كلها أي 10 مليارات دولار للإسكان باعتبار ان المشكلة الإسكانية اليوم هي من أكبر المعضلات التي تواجه الدولة في إطار سعيها لتلبية رغبات وتطلعات المواطن وحل همومه.
نتذكر قبل ثلاث سنوات حينما أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي عن هذا الدعم المقدم للبحرين، وكيف أن ردود الفعل كانت إيجابية والكثيرون بنوا على هذا الدعم بأنه سيكون سبباً في حل كثير من المشكلات.
لكن القلق كان حينما زادت التصريحات في الصحافة من قبل الوزارات والقطاعات الحكومية من منطلق أن الكل أخذ يطرح تطلعاته ومخططاته تجاه هذا المبلغ، وخيل لنا وكأن الوزارات لا تمتلك أية موازنات مخصصة لعملها السنوي لإدارة شؤونها وتقديم خدماتها، وأن الاعتماد الكلي سيكون على مبلغ الدعم هذا. تحولت الصورة وكأنها كعكة كبيرة والجميع رفع سكينه ليقتطع منها الجزء الأكبر.
كنا نتحدث حينها عن الأولويات، وكيف أن مثل هذه المبالغ يجب أن يستفاد منها بشكل أمثل، وألا يكون تقسيمها بناء على «حماس» وزير أو وزارة، إذ بعض المراجعات لتقارير ديوان الرقابة تبين لنا بأن هناك وزارات قدمت تصوراتها لوضعية ميزانياتها العامة وحصلت على المبلغ الذي طلبته، لكن بعد انتهاء السنتين الماليتين أرجعت بعض الوزارات فوائض الميزانية لخزينة الدولة، وهذه المسألة لا تعتبر -كما تفاخر بها بعض المسؤولين- وكأنها توفير أموال للدولة، بل تعتبر إثبات فشل على التخطيط ورسم الاستراتيجيات الصحيحة والطلب على قدر الحاجة.
وحينما يقول سمو ولي العهد اليوم بأن المبلغ الأكبر من الدعم سيوجه للإسكان، فإننا نعلق على هذا بأنه سير على الطريق الصحيح لحل المشكلة التي يعاني منها كل بحريني، ومع أمل بأن يكون استخدام الوزارة لهذا المبلغ استخداما أمثل ويسهم في حل المشكلة التي ندرك حجم صعوبتها وحجم استياء الناس من الوضع الحالي المختص بها.
وفي جانب آخر، تصريح سموه بضخ ما قيمته 17 مليار دولار في مشاريع تنمية كبرى في القطاعين الخاص والعام، بحيث تخلق هذه المشاريع وظائف للبحرينيين وتدعم الاقتصاد الوطني، تصريح إيجابي أيضاً يدعو للتفاؤل، شريطة أن يكون التخطيط لذلك محكماً والتنفيذ وفق خطة استراتيجية صحيحة تضمن لهذه المشاريع النجاح بما يحقق الفائدة للوطن والمواطن.
لسنا اقتصاديين متخصصين، لكن متابعة الوضع الاقتصادي في البلد وإضافة المشكلات المتراكمة المعنية بالمواطن ووضعه والخدمات المقدمة إليه، أمور تدفعنا لتكرار المطالبة بإيجاد هيئة عليا معنية بالتخطيط الاستراتيجي وتقييم الأداء العام للدولة، ووضع اليد على الأخطاء والعمل على تصحيحها، دون إغفال ضرورة أن يكون لها دور استشاري ملزم لقطاعات الدولة تتأكد من خلاله بأن كل الجهود المبذولة تسير في الاتجاه الصحيح.
سنتفاءل ولن نتشاءم بناء على الماضي، علها تكون انطلاقة إيجابية لإصلاح الأمور.
والله ولي التوفيق.