لا نعيش في زمن الصحابة ولا التابعين ولا في زمن كانت فيه الحضارة الإسلامية في أوجها، وكان فيها الباطل مكشوفاً والحق معروفاً، حيث لا يداس على مسلم بطرف ولا يمد إليه حتى بخوص سعف، لأن المسلمين كانوا حينها على أدب وأخلاق وعزة وإباء، وكان الدين خلقهم والكرامة مبدأهم، وكانوا يعينون المسكين ويطعمون ابن السبيل، وكان ولاؤهم الدنيوي لخليفتهم وولي أمرهم؛ فلا يخرجون عن أمره ولا طوعه، فمد الله عمر حضارتهم وأبقى ملكم إلى ما شاء الله وقدر.
أما عيشنا اليوم، والذي يقال عنه أنه آخر الأزمان، زمن اختلط فيه الحابل بالنابل حتى أصبح المرء لا ينشد إلا السلامة والنجاة بدينه ونفسه وعرضه، وها نحن في البحرين اليوم وقد مر علينا من الويل ما مر، لكن بمدد من الله ومشيئته حفظ الله البلاد والعباد من شر كانت فيه النفوس ستباد وتعم الفوضى والخراب، وكنا كذلك ساعتها ننشد فقط الأمن والسلامة في بلادنا.
ولأجل السلامة في هذا الزمن وفي هذا البلد؛ على المواطنين الالتزام بما حث عليه دين الإسلام؛ اتقاء لشر الفتن، وها هو قول الله سبحانه وتعالى يخاطب المسلمين كي ينؤوا بأنفسهم عن الفتن التي إن حلت في بلد أهلكته وإن شاعت أفنته، لذا فصل الله هذا الأمر في كتابه تفصيلاً، وأنزل فيه السور والآيات «وَلا تسبوا الذِينَ يدْعونَ منْ دُونِ اللهِ فيسبوا اللهَ عدْواً بغيرِ علمٍ»، وهي دعوة شاملة بألا يتعرض أي مرء لدين أو لملة أو لمعتقد كائناً من كان، لأن الله حسيب الناس، وهذا الأمر يلزم كل الأطراف، وليس لفئة، أن تقول ما تشاء وأن تشتم ما تشاء وتتعدى على من تشاء ثم تثور حين يتعرض أحد لمعتقداتها ورموزها، فهذا ليس من العدل والمنطق، بل هو الفجور والاستكبار.
إذاً الاحترام بين الشركاء في الوطن يجب أن يكون متبادلاً، وأن يكون على قدر من المساواة، وذلك بإزالة كل أثر من شعارات أو مجسمات مسيئة تمس عقيدة الإسلام الصحيح، كما يجب عدم التعدي على تاريخ دولة من دول الخلافة الراشدة أو الأموية أو العباسية أو العثمانية، ولا التعرض لصحابتها وحكامها ورموزها، وكذلك بالنسبة لولاة الأمور، حكام البحرين، فإن التطاول عليهم والإساءة إليهم هو أمر مرفوض ولا تحله شريعة سماوية ولا مبادئ ديمقراطية والتي يتعذر بها البعض، وإن الإشارة إليهم بالأوصاف المشينة في خطب رجال الدين وبيانات السياسيين هو أمر يعتبر تعدياً يتطلب المساءلة القانونية، ولو بحثنا لوجدنا كم من تطاول وشتم اشتملت هذه الخطب والبيانات، ولكن مع الأسف تمر دون محاسبة ولا حتى لفت نظر.
أما ما يحدث اليوم من فتنة لا يستفيد منها إلا أولئك الذين يسعون إلى خراب البحرين واستهدافها مستغلين كل وسيلة ممكنة، وها هم يتصدون لكل حرف وجملة، بقصد أو بدون قصد، بالرغم أن بعضها يصدر من أشخاص لا يحملون الشخصية الرسمية، وإنما هي آراء تدخل ضمن ما يسمونه حرية التعبير، إلا أنها تكبر وتحلل وتدون في التقارير كي تكون شفاعة لهم عند المجتمع الدولي كي يتدخل باسم الحماية الأممية لفئة تتعرض لاضطهاد ديني، وما هذه الزوبعة المفتعلة اليوم إلا من أجل توثيق هذا الاضطهاد مهما كان مصدره، لأن كل ما يحتاجه المجتمع الدولي هو مجرد أسماء، في ذات الوقت الذي يغض هذا المجتمع الدولي طرفه عن تعدي الفئة التي تدعي المظلومية وتتباكي وهي تسيء كل يوم وفي كل مكان في الداخل والخارج، على الورق وعلى القنوات وعلى المواقع وعلى المنابر.
لذلك بات لزاماً على الدولة أن تنزع هذا الفتيل بالمحاسبة التي ليس فيها مجاملة، وإذا كانت هناك محاسبة فلابد أن يحاسب كل من تعدى على رموز الآخر، خاصة الصحابة الكرام وأمهات المؤمنين، وأن يزال كل أثر لهذا التعدي ويمنع بفرض القانون وتطبيقه، وكذلك بالنسبة للتطاول على ولاة الأمور بأي صورة وأي شكل من الأشكال، والشيء نفسه يطبق على أي فئة تتطاول دون وجه حق.
ولأجل سلامة البحرين نرجو من شعب البحرين الطيب أن يكون على قدر من المسؤولية بألا يجر البلاد إلى متاهات هي في غنى عنها، فما فيها يكفيها.