لا يحق لأي مواطن أو مقيم، لصاحب منزل أو متجر، أن يتخلف عن سداد فواتير كافة الخدمات التي تقدم له، وهذا الأمر أقره القانون وأكد عليه الدين، ومن يستعمل الخدمات التي تعود عليه بالنفع والمصلحة لكنه يرفض أن يقوم بسداد فواتير تلك الخدمات فإنه خالف القانون والشرع، بل إن تبييت النية على عدم سداد المبالغ المستحقة على المستهلك أو الزبون يعتبر أمراً غير أخلاقي، وفي كثير من الأحيان يعتبره القانون «سرقة» صريحة.
نحن ضد أن يتهرب المواطن أو المقيم من سداد المبالغ المستحقة عليهما جراء الخدمات التي تقدمها الدولة أو الشركات الأخرى، هذا هو مبدؤنا، لكن هناك بعض الاستثناءات التي يجب النظر فيها ولو من باب الإنسانية، مراعاة لأوضاع كثير من الناس الذين قد تبدلت أوضاعهم المادية رأساً على عقب، وبعضهم أصبحوا غير قادرين فعلاً على تسديد كافة فواتير تلك الخدمات.
إن من أبرز الخدمات المهمة التي تقدمها الحكومة للمواطنين هي توصيلها خدمات الماء والكهرباء لكل المواطنين والمقيمين، وفق اشتراطات وعقود متفق عليها بين الطرفين، وهي في الحقيقة خدمات تشكر عليها الجهات المعنية بهذا الأمر، لكن هناك بعض الوقفات التي يمكن أن نتحدث عنها هنا، ولو كانت تحمل بين طياتها الكثير من الصراحة والشفافية.
إن عدم دفع المواطنين البحرينيين، وحتى المقيمين كذلك، لفواتير الكهرباء والماء يندرج تحت عنوانين؛ إما تهرب صريح من دفع المبالغ المستحقة عليهم عن قصد وإصرار، أو أن بعضاً من هؤلاء لا يستطيع سداد تلك المبالغ لظروف خاصة تتعلق بمستوى الوضع المادي والمالي والاجتماعي، سواء للأفراد أو الشركات، وهذا الأمر عالجته هيئة الكهرباء والماء «مشكورة» بتقسيط الفواتير بطريقة مريحة، حتى يتمكن المتخلفين عن السداد بتسديد فواتيرهم وفق جدولة التقسيط، وهذا هو الحاصل اليوم.
لكن هناك من المواطنين والمعيلين من البحرينيين الذين أحرجتهم وأقعدتهم ظروف الحياة المادية الصعبة في أن يقوموا بسداد فواتير الكهرباء والماء، حتى ولو كانت عملية السداد تمر عبر مراحل تقسيط مبالغ الفاتورة بعد نهاية كل شهر، فهؤلاء، ليسوا من المحتالين أو من المتحايلين على القانون، بل هؤلاء من الناس الذين أحرجتهم الظروف، فصاروا لا يستطيعون سداد فواتير كافة الخدمات، ومن هنا فإننا نتحدث عن «استثناء» وليس عن الحالات التي تتعمد عدم الالتزام بدفع فواتيرها.
من المعروف أن هيئة الكهرباء والماء ليست جمعية خيرية لتقوم بإسقاط المديونيات عن كاهل الفقراء والمحتاجين الذين لا يملكون المال الكافي لتسديد فواتيرهم، لكن يمكن أن نطرح صيغة توافقية وإنسانية على شكل مقترح نقدمه لهيئة الكهرباء والماء، لعلها تعالج بعض الحالات الصعبة والقاسية التي يمكن أن تقدم عملاً إنسانياً لكثير من المواطنين الذين يعانون أزمات مالية ومعيشية قاسية.
نحن نقترح أن تقوم الهيئة بتشكيل لجنة خاصة لدراسة أوضاع بعض المواطنين الذين تعدت مبالغ فواتيرهم مبلغ ألف دينار وما فوقه، لإعداد دراسة ميدانية وجادة لمعرفة السبب الحقيقي في عدم سداد هؤلاء لفواتيرهم المستحقة، فربما هناك منهم من لا يستطيعون حتى من شراء ملابس العيد لأطفالهم، وربما بعضهم لا يملكون قوت يومهم وقوت عيالهم، فأقعدتهم قساوة العيش والحياة عن الالتفات لسداد فواتير الكهرباء والماء، لأنهم في الأصل ليس لديهم المال الكافي، حتى ولو تم تقسيط فواتيرهم بطريقة مريحة.
حين تنتهي اللجنة من حصر وإحصاء ودراسة كل الحالات الإنسانية لبعض من هؤلاء المواطنين الذين لا يملكون المال الكافي لسداد فواتير الكهرباء والماء، تقوم بعدها برفع تقرير للحكومة للنظر في أوضاعهم لمعالجة أمورهم، ولربما يصل الحال بإسقاط تلك المبالغ أو بعضها عنهم، كل حسب مستواه المادي الذي تقره اللجنة وفق الدراسات الميدانية والواقعية لتلك الأسر.
هناك كثير من الشكاوى التي تصلنا من عوائل بحرينية ضعيفة الدخل لكنها متعففة، وفي ذات الوقت غير قادرة على سداد فواتير الكهرباء والماء، ومن هنا يأتي دور اللجنة الاجتماعية من طرف الهيئة لمعالجة هذا الأمر، عبر مجموعة من الدراسات التي تناقش أوضاع تلك الأسر الفقيرة، ومن ثم رفعها للجهات العليا للنظر في أوضاعهم.
نتمنى من هيئة الكهرباء والماء أن تنظر في هذا المقترح بطريقة جدية وسريعة،، وربما توصلهم تلك الدراسة لمعرفة المواطن المحتاج «فعلاً» للمساعدة من غيره من المواطنين الذين يتهربون عن قصد من سداد الفواتير بطريقة غير لائقة.