قبل أكثر من أربعين عاماً، مرت قافلة من الإبل محملة بالملح أمام بيت خالتي، وقتها كان من المألوف رؤية هذا المشهد في المدن الكبيرة بين فترة وأخرى، حيث يستخدم باعة الملح الخام الإبل في تجارتهم، يومها وقف أولاد خالتي عند باب بيتهم ليتمتعوا بالنظر إلى الديناصورات، نعم هكذا كانوا يرونها، فأكبر حيوان مألوف لديهم هو القط والكلب، وكان من بين ما شاهدوا جملاً حديث الولادة يتبع أمه فطارت قلوبهم وراء هذا الصغير، عندها ذهبوا لصاحب الإبل وعرضوا عليه شراءه، فوافق وطلب منهم نصف دينار فقط، طبعاً الرجل حسبها صح، أطفال أعجبهم شيء لا يستطيعون الاحتفاظ به وقدّر أنهم إذا جمعوا مصروفهم اليومي كلهم ربما سيصل إلى النصف دينار، وبعدما دفعوا له طلبوا منه إدخال البعير الصغير إلى حديقة البيت وأغلقوا عليه الباب، عندها بدأ الصغير بالركض داخل الحديقة باحثاً عن أمه، ورغم صغره إلا أنه يبقى كبيراً على أطفال صغار، كل ذلك وصاحب الإبل يراقب من بعيد، وعندما أصبح عبئاً عليهم فتحوا باب البيت فركض الصغير نحو أمه، عندها ساق الرجل الإبل ومضى، فكانت صفقة رابحة لم تكلفه أي شيء.
تتطابق هذه القصة مع الوضع الأمريكي الإيراني في العراق، فقد كانت أمريكا كصاحب الإبل أودعت العراق عند إيران مؤقتاً، وكلما مر يوم من عمر التحالف الدولي يتضح جانب من الصورة، فعلى الرغم من التصريحات التي تؤكد أنه لا توجد هناك استراتيجية واضحة للحلف إلا أن الأيام الأخيرة بينت أن إيران مستهدفة أيضاً وذلك وفق المعطيات الآتية:
ـ خلال الأيام الماضية صدرت تصريحات إيرانية تفيد أن التحالف يستهدف نظام بشار واستقرار العراق، وهي تقصد وجودها في كلا البلدين، وهذا ما دفعها للتصريح أيضاً أنها ستحمي حدودها والمزارات الشيعية داخل العراق.
ـ محاولات إيران الحثيثة للدخول في الحلف حتى تكون قريبة من إدارة العمليات باءت بالفشل، بالإضافة إلى أن العراق نفسه ليس له وجود في إدارة العمليات.
ـ طائرات التحالف لها ضربات يومية في مناطق مختلفة من أرض الصراع، وداعش تحاصر الجيش العراقي الذي هو في حقيقته ميليشيات تابعة لإيران، ومع ذلك الطائرات لا تقصف المسلحين الذين يحاصرونه.
ـ تصريحات الميليشيات العراقية التابعة لإيران برفض التحالف وطيرانه ويعتبرونه عدواناً عليهم. ـ طيران التحالف يقصف الميليشيات التابعة لإيران مرات وتوصف بالضربات الخاطئة.
أمريكا احتلت العراق ثم سلمته لإيران، وقد حان الوقت لتسترده منها، فهي لم تأت إلى العراق وتخسر عدداً كبيراً من جنودها لتقدمه في النهاية هدية دائمة لإيران، وقد بقت طيلة الفترة الماضية قريبة منه تراقب ما يدور، وإن كانت ستستعيد العراق لمصلحة تريدها فهذا لا يعني أن ليس من مصلحة العراق والدول العربية أن تدفع إيران عنه، استعادة العراق من إيران مرحلة من مراحل عمل التحالف الدولي وبعد استعادته سترتب أوضاعه من جديد بالطريقة التي تريد.