قبل وبعد الإعلان عن قرار عدم المشاركة في الانتخابات دعت جمعية «الوفاق الوطني.. الإسلامية» الجمهور إلى مقاطعة الانتخابات وتصفير الصناديق بغية القول إن الناتج عنها مجلس مسخ لا يمثل المواطنين ولا يستطيع أن يمارس دوره في التشريع والرقابة، فطالما أن الوفاق ومن التصق بها من جمعيات سياسية لم تشارك فإن هذا يعني أن الانتخابات غير شرعية والمجلس الجديد غير شرعي ولا قيمة له ولن ينتج مفيداً.
لكن الوفاق ومن يسندها وتشتد به لم يكتفوا بهذا، حيث بدؤوا بعد الإعلان رسمياً عن عدم المشاركة في الانتخابات التحريض على المقاطعة، فقاموا بتنفيذ مشروع دعوة غير جمهور الوفاق وتوابعها إلى المقاطعة بطريقة «الصغار» فوزعوا على البيوت في العديد من المناطق قصاصات تتضمن هذه الدعوة.
أحد الأصدقاء قال لي إن ابنته البالغة من العمر تسع سنوات تسلمت القصاصة ومزقتها بعد أن قالت بعفوية «اشفيهم.. استخفوا؟».
أن تتخذ قراراً بعدم المشاركة في الانتخابات فهذا حقك كمواطن، ولكن أن تحرض الآخرين على مقاطعتها فهذا تجن على الوطن وتجاوز للخلق الوطني والإسلامي (أحد القياديين بجمعية المنبر التقدمي الديمقراطي قال رداً على سؤال عن سبب عدم جلوسه مع ممثلي الجمعيات التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات في المؤتمر الصحافي الذي عقدته الوفاق رغم أن جمعيته مثل جمعية وعد أعلنت عدم مشاركتها في الانتخابات، إنه لم يجلس معهم لأن جمعيته اتخذت قراراً بعدم المشاركة بمرشحين في الانتخابات ولكنها لا تدعو إلى مقاطعتها)، فهناك فرق بين أن تقرر عدم المشاركة بمرشحين وبين أن تدعو إلى المقاطعة، أي أن أعضاء المنبر سيمارسون حقهم في الانتخاب، وإن لم تشارك جمعيتهم بمرشحين.
هذا هو الخطأ الذي ترتكبه الوفاق وترتكبه للأسف جمعيات وعد والتجمع القومي والإخاء الوطني. إفشال الانتخابات ليس من مصلحة هذه الجمعيات؛ بل هي المتضرر الأكبر منه لأن القطار ينطلق بها ومن دونها، عدا أننا اليوم لم نعد أمام تجربة وإنما مسيرة، وهناك فرق شاسع بين التجربة والمسيرة حيث الأولى قابلة للنجاح والاستمرار وقابلة للفشل والتوقف بينما الثانية يعكس اسمها معناها الذي يحتوي الاستمرار والإصرار على الاستمرار.
إنتاج مجلس ضعيف -من وجهة نظر الوفاق ومن معها- لا يؤثر في هذه المسيرة وإن أساء إليها، لكن المتضرر الأكبر هي «المعارضة» التي يفترض أنها وصلت الآن إلى قناعة ملخصها أن الخارج لا يفيدها وإنما يسعى ليستفيد منها وأنه يبحث عن مصلحته لا عن مصلحتها وأنه يمكن أن يبيعها إن توفر مشتر أفضل منها وقادر على دفع ما لا تقدر عليه.
لا يمكن لـ «المعارضة» أن تصل إلى شيء مع شركاء الوطن خارج البرلمان، فالبرلمان هو الميدان وليس الشوارع التي يتم اختطافها ولا يتضرر منها إلا الناس الذين ليسوا طرفا وينبغي ألا يكونوا الهدف. الانتصارات تتحقق داخل مبنى البرلمان وليس خارجه، بدليل أن الوفاق لم تحقق أي انتصار منذ انسحابها منه، إلا إن كانت تعتبر تعطيل حياة الناس والتسبب في أذاهم انتصاراً!
ما تقوم به هذه الجمعيات التي من الواضح أنها تتخبط ولم تعد قادرة على اتخاذ القرارات الصائبة هو أنها بدل أن تركب القطار المنطلق إلى المستقبل تريد أن تقف في وجهه وتمنعه من الانطلاق وهو ما ليس ممكناً بكل اللغات.
قطار البحرين انطلق ولا يمكن تعطيله لا بالتصريحات ولا بالمؤتمرات ولا بالمؤامرات، ولا بتلك القصاصات التي بدؤوا بتوزيعها على البيوت معتقدين أنهم بهذا الأسلوب يمكن أن يقنعوا من يحب هذا الوطن ويخلص له ويفديه بروحه أن يخونه ويقف في وجه المسيرة التي بدأت لا لتنتهي وإنما لتستمر، ففيها الخير للوطن وللمواطنين جميعاً.