«طلع الفجر ذهب البدر والعصفور صو صو»؛ هذه إحدى أغاني الطفولة التي غنيناها وفرحنا بها، عشنا كلماتها وتعايشنا معها، والآن عندما نرددها لأطفالنا تسرقنا ذكرياتنا وتستوقفنا عند حد لا متناهي من المواقف واللحظات في ذلك الزمن الجميل، زمناً جميلاً بكل ما في الكلمة من معنى؛ يحمل معنى البراءة بكل طياتها. تستوقفني الأغنية وأتذكر سؤالي لوالدتي: «إلى أين ذهب البدر يا ماما؟»، وكان جوابها «ذهب إلى بيته كي ينام مع والدته ويعود لنا في الليلة القادمة».
قبل يومين وجدت نفسي أردد نفس الأغنية، ولكن بالمعنى الحقيقي للأغنية «فقد رحل البدر»، ولكن ليس أي بدر، فقد رحل الطفل بدر من حضن أمه ولم يعد ثانية.. هذا الطفل وغيره العشرات رحلوا من حضن والديهم ليتركوا مكانهم جرحاً وأثراً كبيراً من الهم والحزن والأسى.
كلنا نردد أننا برضى تام لقضاء الله العلي القدير وقدره وحكمته في أمره، إلا أننا بالنهاية جبلنا من ماء وطين؛ أي أن تركيبتنا ليست بصخرية، فهذا يعني أنه لا يمكننا أن نخفي مشاعرنا وصيحات الألم في أعماقنا دون البوح بها وأن نستنكر ونقول «لا»!
فما حدث ويحدث دوماً من حوادث مرورية لا يعتبر أقل أسى وقسوة من الشخص الفاعل لهذا الأمر، لأنه لا يوجد أحد عاقل متزن يمكنه مجرد التفكير في دهس طفل بريء، ذنبه في الحياة أنه أراد الاستمتاع بوقته قليلاً على دراجته الهوائية، فأنا لم أحمل الفاعل جرم فعلته لسبب بسيط جداً؛ كوني لست بقاضية ولا حاكم ولا جلاد، بل حقيقة أحمله وأحمل كل إنسان فينا مسؤولية تصرفاته والعواقب للتصرفات التي يقوم بها طالما نتمتع بهبة العقل المكتمل، أي لا ينقصنا سبب ما، كي نتعقل ونفكر بما نقوم به ونحسب نتيجة تصرفاتنا مسبقاً وذلك تجنباً منا لنتائج لا تحمد عقباها.
لاشك أن القارئ لهذه الكلمات سوف يبتسم باعتبار أنه لو قام بتطبيق هذه النظرية 20% من الناس لكانت الدنيا بألف خير، وأن ما أكتبه يمكن أن يكون ضرباً من الخيال، باعتبار أن الأنانية هي السائرة والمنفعة الذاتية هي السائدة والازدواجية الشخصية هي المسيطرة في يومنا هذا.
لذا فإن كنا نملك الشخصية التي تمكننا أن نتشكل بحسب الظروف والأوقات، ونعلم جيداً في تزويق وتشكيل الكلمات بينما القانون الوضعي سيكون إلى حد ما صريحاً وواضحاً. علماً أنه ليس من أهمية وضع القانون بمكان، هو التطبيق الحقيقي لهذا القانون. فأنا مع مبدأ الأقربون أولى بالمعروف، وهذه سنة شرعية لا يمكننا تجاوزها وغض النظر عنها، ولكن عندما نأتي للقانون لابد أن نكون كلنا خاضعون له.
لذا تمنياتي على وزارة الداخلية الموقرة عدم التردد في تطبيق قانون المرور، خاصة من ناحية الالتزام بالسرعات المطلوبة، وأيضاً استخدام الهاتف خلال السياقة، فإن تسليمنا بقضاء الله وقدره لا يتنافى بأخذنا للأسباب.
رحم الله جميع أطفالنا وصبر أهليهم وألهمهم الصبر والسلوان وجمعهم بهم في جنة الفردوس.. عزائي..