هل كان إعلان بعض الأهالي في بعض المناطق مقاطعة الانتخابات نتيجة تهديد علي سلمان في تصريحه في 12 سبتمبر 2014، والذي قال فيه «المقاطعة التامة الشاملة التي تجعل ممن يشارك في هذه الانتخابات منسلخاً من هذا الشعب وتجعله منبوذاً اجتماعياً»؟، وذلك بعد أن أدركوا بأنهم قد يدفعون ثمن مشاركتهم غالياً، قد تذهب فيه ممتلكاتهم وأرواحهم، وتتحول حياتهم إلى جحيم، لأنهم يعلمون تمام العلم ماذا يعني هذا التهديد، وما هي نتيجة مخالفة فتوى المقاطعة عندما تصدر من الوفاق.
ثم إذا كان هذا الإعلان يشمل الوزير والوكيل والمدير والدكتور والمهندس والمعلم والطالب الجامعي والتاجر، ألا يعني هذا هو إنكار للدولة التي فتحت أبواب التعليم والتجارة لهم، أو أنهم درسوا في مدارس النجف وطهران، ثم أليس هذا دليلاً كافياً على أن هؤلاء المقاطعين لا يمكن أن يكون منهم يد تبني المجتمع وتعمر الأرض؟
هؤلاء اليوم الذي يباركون انتخابات دولة مجرمة في حق شعبها مثل دولة العراق ويزفون إليها التهاني والتبريكات، هذه الدولة التي يموت كل يوم من شعبها المئات، وهي الدولة التي خلع جيشها ملابسهم وركضوا عراة، لأنه جيش بني على فساد، دولة ليس فيها خدمات ماء ولا كهرباء ولا يوجد بها مستشفيات ولا دواء رغم إيراداتها النفطية التي تبلغ مئات المليارات سنوياً، فهذه هي الدولة التي يباركون انتخاباتها، في الوقت نفسه يقسمون على تصفير صناديق الانتخابات في البحرين!
إذاً هذا هو اليوم الذي فيه يصفى الصالح من الطالح، يصفى المواطن الشريف الذي يستحق كل التقدير والاهتمام من الدولة وتعطى له الأولوية في التعليم والعلاج والتوظيف والخدمات الإسكانية، لأنه مواطن سجل انتماءه لهذا البلد، أما ذاك المواطن الذي اختار المقاطعة، فأعتقد أن الجهة المسؤولة عنه هي الجهة التي امتثل لأوامرها ولبى نداءها، وأنه كما هددت الوفاق بأنها ستسلخ كل مشارك وتنبذه، فإن الدولة هي الأولى من أن تكافئ وتعاقب، لأن لكل شيء ثواب وعقاب وهذه سنة الله في خلقه، فليس المحسن كالمسيء فتنتهي عندها العدالة، ولقد انتهجت الدولة لعقود طويلة بمساواة المحسن والمسيء في كل خدماتها، الذي لم يزد ذاك المسيء إلا تعنتاً وجبروتاً، فكبر الواحد منهم وتعلم على نفقة الدولة وحصل على الهبات والخدمات والوظيفة، فما كان منه إلا أن استخدم كل هذه المنافع ليضرب بها أرضها ويوجعها، فلم يردعه ضمير ولم يحتفظ بجميل.
وإذا نظرنا لمن شارك في المؤامرة الانقلابية ضد الحكم لوجدنا أكثرهم، بل كلهم، ممن أفاضت عليهم الدولة من خيراتها من طبيب ومحام ومن معلم ومبتعث وتاجر، وهكذا استمرت الدولة عندما لم تقدم المخلص الأمين على الباغي اللئيم، بل سودته على المخلصين في الشركات والمؤسسات، وحتى من شارك في المؤامرة أعادتهم وعوضتهم وعادوا إلى أحسن من وظائفهم السابقة، فهذه هي النتيجة عندما يتساوى المصلح مع المسيء، فليس هناك أحسن من الله عدلاً، إذ إنه لو تساوى الجزاء للمحسن نفسه للمسيء لفسدت الأرض.
نعود لإعلان المقاطعة الذي أعلنه أهالي بعض المناطق، والذي خرج بدون اسم ولا عنوان ولا ندري حقيقته من تزييفه، ولا ندري عن أسبابه، فهل هو خوف ورهبة من السلخ والنبذ اللذين هددت بهما الوفاق لكل من يشارك في الانتخابات، أم هو شراكة في المؤامرة ضد الحكم الذي على الدولة أن تعيد النظر في التمييز بين الخبيث والطيب، كسنة إلهية ينبغي على الدولة تطبيقها إذا أرادت السلامة، إنه التمحيص كتمحيص طالوت لجنوده، وتمحيص نوح لقومه، ونحن اليوم أشبه ما نكون بين النجاة أو الغرق، فإما النجاة بالدين والروح والعرض، وإما الغرق في وحل الديمقراطية التي تباركها الوفاق ديمقراطية سفك الدماء وهتك الأعراض، وإن من يستسهل ويستصغر عملية عدم المشاركة فهو بالتأكيد جاهل لا يقدر العواقب، كما أنه دليل على أن هذا الشخص غائب عن الوعي فاصل عن الخدمة، حين لا يتعظ بما جرى ويجري اليوم في العراق وسوريا ولبنان وليبيا وتونس ومصر واليمن، إنها دول منها ما انتهى وضاع شعبها بين مقتول ولاجئ، وبين دول على شفا حرب أهلية.