في أحد المقاهي بالعاصمة، يجلس شاب أدمن القهوة منذ زمن، وله اهتمام بالسياسة وشؤونها، فيقرأ ويتابع ويحلل ويقدم وجهات نظره تجاه الكثير من القضايا.
في أحد الأيام كان حائراً، وسألني: كيف نفهم التحوّل في السياسة؟ كان سؤالاً عاماً، فرددت عليه بسؤال: أي التحولات تقصد؟ فقال: التبدل في المواقف السياسية وعدم استقرارها وثباتها!
دار حديث طويل بيني وبينه، وكان يقصد السبب الذي دفع جمعية الوفاق والجمعيات السياسية التابعة لها إلى تبديل موقفها 6 مرات خلال 3 سنوات فقط؟!
الوفاق أثبتت عدم استقرار مواقفها السياسية وضبابية رؤيتها حتى الآن لأنها تغيّر موقفها مرتين في السنة منذ العام 2011، ومؤخراً بدلت موقفها للمرة الثانية، وبالتالي استنفدت عدد المرات التي تبدل فيها مواقفها خلال العام 2014 مع اقتراب العام من نهايته.
لنستعرض تبدل مواقف الوفاق بالترتيب منذ العام 2011، حيث بدأت بإسقاط النظام، ثم المطالبة بالجمهورية الإسلامية، وبعدها إصلاح النظام، والدولة المدنية، واستمرت فترة تطالب بالحكومة المنتخبة التي تمثل الإرادة الشعبية، وأخيراً التحول للحكم الرشيد!
جميعها مصطلحات سياسية مختلفة المعنى والدلالات، ولكن بالنسبة للوفاق فإن مطالبها واحدة، ولا يمكن أن تتبدل مهما اختلفت المسميات المطروحة. ولذلك من السهولة بمكان معرفة التناقض الأيديولوجي الذي تحمله تجاه الكثير من القضايا، وأبسطها مطالبتها بالدولة المدنية ورفضها محاسبة رجال الدين وإقرار قانون للأحكام الأسرية!
عملية تبديل المواقف والمطالب المعلنة تحقق مجموعة من الأهداف، فهي تحاول تغيير قناعات الجمهور بأسماء مبتكرة بالنسبة له -أي الجمهور- بين وقت وآخر، حتى لا يعتقد الجمهور أن المطالب لا تتحقق، فهناك باستمرار مطالب جديدة؛ حكومة منتخبة مرة، وبرلمان كامل الصلاحيات مرة أخرى، وبعد ذلك الحكم الرشيد. لذلك فإن جمهور الوفاق يعيش في خداع مستمر بسبب تبدل المسميات التي قد لا يعرف معنى ودلالات معظمها.
أخيراً فإن المنظر الديمقراطي الذي تحاول الوفاق والجمعيات السياسية التابعة لها الظهور به دائماً، هو منظر شكلي، لأن في حقيقته استبداد سياسي مغلف بغطاء ديني. فالقوى السياسية الديمقراطية لا يمكنها أن تنكر حق المواطنين في المشاركة بالاستحقاقات الانتخابية، ولا يمكنها أن تدعو لتصفير صناديق الاقتراع لأنها في النهاية تحترم الرأي الآخر، ولا يمكنها أن تمارس الإرهاب والعنف ضد من يشارك في الانتخابات باعتباره أقصى درجات المشاركة السياسية. وهذا ما كان لافتاً في موقف دول الاتحاد الأوروبي التي عبّرت عن صدمتها بموقف الوفاق ومقاطعتها للانتخابات وطالبتها فيه بإعادة النظر في هذا الموقف، بعد أن كانت -دول الاتحاد- تعتقد أن الوفاق وجمعياتها قوى سياسية ديمقراطية، فكانت الملاسنة التي تمت بين الاتحاد والوفاق في البيانات الإعلامية الصادرة وعبّر فيها كل طرف عن «خيبة أمله».